هل يجوز أن يقول المسلم أن الله تعالى قهرني؛ لأن من أسماءه القاهر والقهار؟
الحمد لله.
الله تعالى هو القاهر والقهار، كما قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/18، وقال تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) غافر/16.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره (11/288) : " ويعني بقوله:"القاهر"، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: (فوق عباده)، لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم، ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه.
فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه، المذلّ ِلهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه" انتهى.
وقال السعدي رحمه الله في تفسيره ص947: ""القهار" لكل شيء، الذي خضعت له المخلوقات، وذلت لعزته وقوته وكمال اقتداره" انتهى.
فالله تعالى قاهر لجميع الخلق، مذل لهم، مستعبد إياهم، غالب عليهم.
وقول الإنسان: "إن الله قهرني":
إن كان ذلك في سياق بيان أنه من جملة المخلوقات، عبد ذليل لربه، خاضع له، وقصد الثناء على الله جل جلاله، وتمجيده بذلك: فلا حرج، كأن يقول: قهرني وقهر الممالك كلها، أو نحن جميعا تحت قهره وعلوه وغلبته، أو نحن مقهورون مربوبون لله.
وإن كان في سياق مصيبة نزلت به، أو ألمٍ حصل له، أو حاجة لم تقض: حرم عليه تحريما مؤكدا؛ فإن الظاهر منه: عدم الرضا بقضاء الله، وقد يزيد به ذلك، حتى يعترض على رب العزة، الواحد القهار، جل جلاله. أو ينسب إليه الأذى والظلم له؛ فإن المخلوق يقول إذا ظلمه غيره: فلان قهرني، أخذ مالي، أو منعني حقي، أو آذاني.
والواجب حسن الأدب مع الله، واجتناب ما فيه اعتراض أو تسخط، وهذا من مقتضيات رضاه بربوبية الله سبحانه له، وللخلق كلهم.
روى الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى أحمد (1555) عن سَعْد قال: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، ذَاكَ فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ). قَالَ: (فَمَا تَبْرَحُ الْبَلايَا عَنِ الْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ – يَعْنِي – وَمَا إِنْ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) وحسنه محققو المسند.
وروى الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى الترمذي (2396) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) وصححه الألباني.
وروى أحمد (22338)، وأبو داود (3090) عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ السَّلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) وصححه الألباني.
وليحذر العبد من أن يسبط له لسانه، فيورده موارد الهلكة، وهو لا يدري.
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ( 6113 ) .
ولمسلم ( 2988 ): (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).
والله أعلم.