الحمد لله.
أولا :
" النذر غير مشروع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال : ( إنَّهُ لا يَرُدُّ شيئا ، ولكنَّه يُسْتَخْرجُ بهِ منَ البَخيلِ ) متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري . فينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يبتعد عن النذر ، وأن لا يلزم نفسه بشيء قد يعجز ويشق عليه الوفاء به ، فيقع في الإثم والحرج " "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/362) .
ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6202) .
ثانيا :
نذْرُ الصدقة بشيء من المال هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به .
ومن نذرت أن تتصدق بجميع حليها ، فلها حالتان :
الأولى : أن يكون هذا الحلي هو جميع مالها ، فيجزئها أن تخرج الثلث ، وهذا مذهب أحمد رحمه الله .
ومن أهل العلم من أوجب التصدق بجميع المال ، ومنهم الشافعي رحمه الله .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" من نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه ثلثه . وبهذا قال الزهري ، ومالك ... وقال أبو حنيفة : يتصدق بالمال الزكوي كله ...
وقال الشافعي : يتصدق بماله كله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) . ولأنه نذر طاعة ، فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام .
ويدل على أنه يكفيه التصدق بالثلث : قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة حين قال : إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال : ( يجزئك الثلث ) . صححه الألباني في "تخريج أحاديث مشكاة المصابيح" (3439) .
وعن كعب بن مالك ، قال : قلت : يا رسول الله , إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمسك عليك بعض مالك ) متفق عليه . ولأبي داود : ( يجزئ عنك الثلث ) قال الألباني في صحيح أبي داود (3319) : إسناده صحيح " انتهى من "المغني" (11/340) بتصرف يسير .
أي أنه إذا كان المال المعين للنذر يستغرق جميع المال فإن حكمه حكم من نذر الصدقة بجميع ماله ، فيكفيه الصدقة بالثلث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/188) :
" قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الثُّلُثُ ، لِمَا فِي إخْرَاجِ الْجَمِيعِ مِنْ الضَّرَرِ " انتهى .
ومثله لابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/165) .
والراجح ما ذهب إليه الحنابلة ، وبه أفتت اللجنة الدائمة ، حيث سئلت عمن نذر راتبه كله في سبيل الله دائما ، فأجابت : " يكفيك التصدق بثلث الراتب ؛ لأن الذي نذر أن يتصدق بماله كله قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ ) رواه أبو داود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/225) .
الحالة الثانية : أن يكون لها مال آخر غير الحلي ، فيلزمها الصدقة بحليها كله كما نذرت .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا نذر الصدقة بمعيّن من ماله أو بمقدّر ، كألف ، فروي عن أحمد أنه يجوز ثلثه ؛ لأنه مالٌ نَذَرَ الصدقة به ، فأجزأه ثلثه ، كجميع المال . والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه ؛ لأنه منذور ، وهو قربة ، فيلزمه الوفاء به ، كسائر المنذورات ، ولعموم قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) الإنسان/7 .
وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه ، ولما في الصدقة بجميع المال من الضرر اللاحق به ، اللهم إلا أن يكون المنذور هاهنا يستغرق جميع المال ، فيكون كنذر ذلك " "المغني" (11/340) .
ثالثا :
أما زكاة الحلي : فيلزمها أن تخرج الزكاة عن السنوات الثمانية ، سواء قلنا تتصدق بجميع الحلي أو بثلثه – على التفصيل السابق - ؛ لأن الزكاة دين واجب عليها ، ولا علاقة له بالنذر . لكن إن لزمها الصدقة بالحلي كله ، فإنها تخرج الزكاة من مالها الآخر ، وليس لها أن تخرج من الحلي نفسه .
وإن لزمها أن تتصدق بثلث حليها ، جاز لها أن تخرج الزكاة من بقية الحلي – إن اتسع لذلك- ومن مالها الآخر .