الحمد لله.
سبق في جواب السؤال رقم ( 20214 ) حكم الجهاد وأنواعه ، وفيه أنه يكون فرض عين إذا هجم العدو على المسلمين ، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم ، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ .
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ، ودعوة الكفار إلى الإسلام ، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله ، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام ، وبذلك تنضبط الأمور .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " انتهى .
"المغني" ( 10 / 368 ) .
وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر : فهو آثم " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 12 ) .
واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة ، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله ، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين , بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع , لحاجة بعضهم إلى بعض , ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة , وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم ) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود , لا تتم إلا بالقوة والإمارة , ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض " ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 390 ، 391 ) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
" لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر ؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس , فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد , فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع ، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم , لتعين القتال إذًا .
وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام , فالغزو بلا إذنه افتيات عليه , وتعد على حدوده , ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى , كل من شاء ركب فرسه وغزا , ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة , فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام , أو يريدون البغي على طائفة من الناس , كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) الحجرات/9 ، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها – أيضاً – لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 8 / 22 ) .
والله أعلم