الحمد لله.
أولا :
لا يجوز التبرك بآثار غير الأنبياء ، سواء كان المتبرك بهم صالحين أو طالحين ، نسأل الله العافية ، لكن تبرك الناس بمن لا يصلي ، دليل على شدة الجهل وعظم الغفلة ، ومدى حاجة الناس إلى تعلم العقيدة الصحيحة المنقذة من الضلال .
والدليل على عدم جواز التبرك بآثار غير الأنبياء : أنه لم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التبرك بأبي بكر أو عمر أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه .
قال الشاطبي رحمه الله : " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه ، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو كان خليفته ، ولم يُفعل به شيء من ذلك ، ولا عمر رضي الله عنهما ، وهو كان أفضل الأمة بعده ، ثم كذلك عثمان ، ثم علي ، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة ، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها ، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّيَر التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها " انتهى من "الاعتصام" (1/482) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولا أحد يُتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، أما غيره فلا يتبرك بآثاره ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته ، وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار ، كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جُلجُل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى ، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء ، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه ، أو بعرقه ، أو بثوبه ، أو بغير ذلك ، بل هذا حرام ونوع من الشرك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/107).
ثانيا :
الواجب على صديقك أمران :
الأول : أن ينبه الناس ويحذرهم من هذا التبرك الممنوع ، إذا كان يحسن ذلك ويستطيعه ، وإلا فينبغي أن يستعين بأهل العلم ، ليرشد الناس إلى الحق ، ويدلهم على الصواب ، ويحذرهم من الاعتقادات الفاسدة التي توقعهم في الشرك والبدعة .
الثاني : أن يتخلص من هذه الحنفية ، بإزالتها أو قطع الماء عنها ونحو ذلك ، وله أسوة في عمر رضي الله عنه ، حين قطع شجرة الحديبية لما بلغه أن قوما يصلون عندها .
قال الشاطبي رحمه الله : " وقال ابن وضاح : سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقطعها ؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها ، فخاف عليهم الفتنة " انتهى من "الاعتصام" (1/448) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ، ثم أمر بقطعها فقطعت " انتهى من "فتح الباري" (7/513) .
ثالثا :
ما أخذه من هذا المال ، فلا حرج عليه فيه ؛ لأنه مال بذله أصحابه عن رضى ، ولا مالك له ، فجاز له أخذه . لكن لا يجوز له إقرار المنكر ليأخذ المال ، بل يلزمه كما سبق : البيان وإزالة هذا المنكر .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/227) فيما يتعلق بالاستفادة من الأشياء المنذورة للأولياء والصالحين ، ما نصه : " ... وأما إن كان المنذور للأولياء والصالحين غير الذبائح ، من خبز وتمر وحمص وحلوى ونحو ذلك مما لا يتوقف حل أكله على الذبح أو النحر ، فينبغي ترك توزيعه على الناس لما في ذلك من ترويج البدع والتعاون على انتشارها والمشاركة في مظاهر الشرك وإقرارها ، لكنها في حكم الأموال التي أعرض عنها أهلها وتركوها لمن شاء أخذها ، فمن أخذ شيئا منها فلا حرج عليه " انتهى .
والله أعلم .