الحمد لله.
أولا :
مما ينبغي أن يعلم أن من أهم الأسباب التي ينتج عنها وجود المشكلات بين الزوجين والتي قد تتطور حتى تصل إلى حال سيئة جداً ؛ عدم معرفة حقّ كل واحد من الزوجين على الآخر .
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها كما قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب للآخر يؤديه إليه ، وبهذا يحصل التوازن بينهما مما يدعم استقرار حياة الأسرة ، واستقامة أمورها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية : أي : " لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن " ، وذكر القرطبي : أن الآية تعم جميع حقوق الزوجية .
فمن تلك الحقوق : غض الطرف عن الهفوات والأخطاء : وخاصة التي لم يقصد منها السوء في الأقوال والأعمال وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحتمل صاحبه فلكل إنسان زلة ، وأحق الناس بالاحتمال من كان كثير الاحتكاك بمن يعاشر . وعلى كل طرف ألا يقابل انفعال الآخر بمثله ، فإذا رأى أحد الزوجين صاحبه منفعلاً بحدة فعليه أن يكظم غيظه ولا يرد الانفعال مباشرة ، ولذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته : إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب . وتزوج إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله عباسة بنت المفضّل أم ولده صالح ، فكان يقول في حقها : " أقامت أم صالح معي عشرين سنة ، فما اختلفت أنا وهي في كلمة " .
ومن أعظم الحقوق : أن ينصح كل منهما قرينه بطاعة الله عز وجل ، وقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) رواه أحمد (21358) والترمذي (3094) وهو في صحيح الجامع (5231) .
ثم لا ينبغي للرجل أن يبغض زوجته إذا رأى منها ما يكره ؛ لأنه إن كره منها خلقاً رضي خلقاً آخر ، فيقابل هذا بذاك ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لَا يَفْرَكْ – أي : لا يبغض - مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1469) .
ومن أعظم ما يعين على صفاء العيش بين الزوجين حسن الخلق ، ولذا رفع الإسلام من شأنه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي (1162) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ومن المعاشرة بالمعروف : التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء إلا في حقوق الله عز وجل .
ثانيا :
خروج زوجتك من البيت دون إذنك ، وغيابها هذه المدة ، لا يعني طلاقها ، بل لا تزال زوجة لك ، ولا تطلق إلا بتطليقك لها .
ولكن هذا الخروج يعد نشوزا ، تأثم به ، ويُسقط حقها في النفقة ، ما لم تكن معذورة في خروجها ، بسبب إيذاء أو ظلم منك وقع عليها ، لكن استمرارها في البقاء خارج البيت كل هذه المدة ، وبعدها عن زوجها وأولادها ، خطأ لا تقر عليه ، ولا ينبغي لأهلها إعانتها على ذلك ، وهذا البعد من أكبر ما يستعين به الشيطان على هدم البيوت ، وإيغار الصدور ، وإلقاء العداوة في القلوب ، ولهذا كان الرجل العاقل ، والأسرة المتبصرة بالعواقب ، لا ترضى بهذا البعد ، بل تسعى لجمع الشمل ، والجلوس للتفاهم ، وحل المشاكل في جو من الألفة والمودة وحفظ المعروف والعشرة التي بين الزوجين .
ولهذا فنصيحتنا لك أن تتصل بزوجته ، وأن تعظها وتذكِّرها بالله تعالى ، وبما أوجب عليها من حق تجاه زوجها وأولادها ، فإن لم تُجْدِ هذه النصيحة ، فاستعن في ذلك بأهل الخير والصلاح من أقاربها ومن تعرف .
ونصيحتنا للزوجة أن تتقي الله تعالى ، وأن تحذر من عصيان زوجها وإغضابه وإيثار أهلها على مصلحة بيتها وأولادها .
وينبغي أن يدرك الزوجان أن العناد والتمسك بالرأي لا يحل المشاكل التي بينهما ، بل يزيدها سوءا وتفاقما ، وأن صاحب النفس الكبيرة هو الذي يسعى للصلح ، ويقدر أهمية اجتماع الشمل ، فلتكن أيها الزوج صاحب هذه النفس ، وليحملك ذلك على طلب الصلح والتفاهم لحل المشكلة ، ولن يزيدك ذلك إلا رفعة عند الله تعالى ، وعند خلقه كذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( َمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم (2588) .
فبادر بالاتصال والسؤال وإبداء الرغبة في جمع الشمل وإصلاح البيت ، ولن يضيع أجرك عند الله .
نسأل الله لكما التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .