الحمد لله.
روى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي ، لكن اختلفوا في طريقة قتله .
فمنهم من يرى تحريقه ، كأبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ومنهم من يرى أنه يُرمَى من بناءٍ عالٍ ويتبع بالحجارة ، كابن عباس رضي الله عنهما ، ومنهم من يرى أنه يرجم بالحجارة حتى يموت ، وهو مروي عن علي وابن عباس أيضاً رضي الله عنهم .
وانظر "المغني" (9/58).
وأما الحكمة من معاقبة المفعول به ، فلأنه شريك في المعصية ، فإن هذه المعصية لا توجد إلا إذا اشترك فيها طرفان ، فكان العدل أن يقام الحد عليهما ، ومثل هذا : الزنا ، فإنه يقام فيه الحد على الرجل والمرأة ، ثم إن المفعول به لا خير في بقائه حيا ، لعظم الفساد الذي حل به ، وعظم المفسدة الناشئة عن وجوده .
قال في "مطالب أولي النهى" (6/174) : " وإن كان الزنا واللواط مشتركين في الفحش ، وفي كل فساد ينافي حكمة الله في خلقه وأمره ، فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد ، ولَأنْ يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى ، فإنه يَفْسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا ، ويذهب خيره كله ، وتمتص الأرض ماء الحياء من وجهه ، فلا يستحي بعد ذلك من الله تعالى ولا من خلقه ، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن ، وهو جدير أن لا يوفق لخير ، وأن يحال بينه وبينه ، وكلما عمل خيرا قيض له ما يفسده عقوبة له ; وقل أن ترى من كان كذلك في صغره إلا وهو في كبره شر مما كان ، ولا يوفق لعلم نافع ، ولا عمل صالح ، ولا توبة نصوح غالبا . إذا تقرر هذا ، فمفسدة اللواط من أعظم المفاسد ، وعقوباته من أعظم العقوبات في الدنيا والآخرة .
وقد أطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله ، لم يختلف فيه منهم رجلان ، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله ، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله ، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة ، وهي بينهم مسألة إجماع ، لا مسألة نزاع " انتهى باختصار .
وأصل هذا الكلام لابن القيم رحمه الله ، ذكره في "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي".
ولكن إذا كان المفعول به مكرهاً فإنه لا عقوبة عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رواه بن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وانظر جواب السؤال (38622) ففيه زيادة فائدة .
والله أعلم .