الحمد لله.
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك ، وأن يوفقنا لحسن التوبة والإنابة إليه سبحانه ، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة بمنه وفضله وكرمه .
واعلم أن التوبة والهداية خير ما يوفق له العبد في الدنيا ، وهي أعظم نعمة يمن الله تعالى بها علينا ، فالواجب شكر الله تعالى عليها ، والحرص على تجديدها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد مائة مرة ، كما رواه مسلم ( 2702 ) .
ثانياً :
أما نسب الأبناء غير الشرعيين فقد فصل فيه الفقهاء تفصيلا واسعا فقالوا :
لا يخلو حال المزني بها من أحد أمرين :
1. أن تكون فراشاً : يعني أن تكون متزوجة : فكل ولد تأتي به حينئذ إنما ينسب للزوج وليس لأحد غيره ، ولو جَزَمت أنه من غيره ممن زنا بها ، إلا إذا تبرأ الزوج من هذا الولد بملاعنة الزوجة ، فحينئذ ينتفي نسب الولد عن الزوج ويلتحق بأمه وليس بالزاني .
2. أن تكون غير متزوجة : فإذا جاءت بولد من الزنا ، فقد اختلف العلماء في نسب هذا الولد ، هل ينسب إلى أبيه الزاني أو إلى أمه ، على قولين ، سبق ذكرهما وبيان أدلتهما في جواب السؤال رقم (33591) وانظر أيضا أجوبة الأسئلة : ( 117 ) و ( 2103 ) و ( 3625 ) .
وفيها : أن الراجح هو عدم صحة النسب من السفاح ، فلا يجوز نسبة ولد الزنا إلى الزاني ، إنما ينسب إلى أمه ، ولو بلغ القطع بأن هذا الولد لذلك الزاني المعين درجة اليقين .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 387 ) :
" الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين ، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان ، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني ، ولا يثبت نسبه إليه ، وعلى ذلك لا يرثه " . انتهى .
وجاء - أيضاً - في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 34 ) :
" أما ولد الزنا فيلحق نسبا بأمه ، وحكمه حكم سائر المسلمين إذا كانت أمه مسلمة ، ولا يؤاخذ ولا يعاب بجرم أمه ، ولا بجرم من زنا بها ، لقوله سبحانه : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) " انتهى .
ثالثاً :
معلوم أن إثبات النسب يتبعه الحديث عن الكثير من الأحكام : أحكام الرضاع ، والحضانة ، والولاية ، والنفقة ، والميراث ، والقصاص ، وحد السرقة ، والقذف ، والشهادة ، وغيرها .
ولما كان الراجح هو عدم ثبوت نسب ابن الزنا من الزاني ، فلا يثبت شيء من الأحكام السابقة على الأب غير الشرعي ، وإنما تتحمل الأم كثيراً منها .
ولكن يبقى للأب غير الشرعي ( الزاني ) قضية تحريم النكاح ، فإن الولد الناتج عن زناه يثبت بينه وبين أبيه وأرحام أبيه أحكام التحريم في النكاح في قول عامة أهل العلم .
قال ابن قدامة - رحمه الله - :
" ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه ، وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى .
" المغني " ( 7 / 485 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن بنت الزنا هل تزوج بأبيها ؟
فأجاب :
" الحمد لله ، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها ، وهو الصواب المقطوع به " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 134 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 36 / 210 ) :
" ويحرم على الإنسان أن يتزوّج بنته من الزّنا بصريح الآية : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ) لأنّها بنته حقيقةً ولغةً , ومخلوقة من مائه , ولهذا حرّم ابن الزّنا على أمّه .
وهذا هو رأي الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة , والحنابلة " انتهى .
رابعاً :
وبناء على ما سبق فإن ابنك هذا من الزنا لا يجوز له أن ينكح بناتك ، فإنهن بمنزلة أخواته ، وكذلك زوجتك .
ولكن ذلك لا يعني أنه مَحرَمٌ لهن فنُجَوِّز له الخلوة بهن أو وضعهن الحجاب في حضرته ، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها ، فهي حكم زائد لا يثبت إلا للمحارم الشرعيين ؛ فيجب التنبه لهذا .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
" الحرام المحض : وهو الزنا : يثبت به التحريم ، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف .
" المغني " ( 7 / 482 ) .
ولا يمنع ذلك كله الإحسان إلى هذا الشاب ، ومعاملته بالحسنى ، والسعي في إسلامه وربطه بالعائلة ، على ألا ينسب إلى أبيه من الزنا ، ولا يتساهل في حجاب البنات في الأسرة عنه .
ونسأل الله لك الخير والتوفيق والرشاد .
والله أعلم .