الحمد لله.
أولا :
يستحب التعجيل بالزواج لمن كان قادرا عليه ؛ لقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) النور/32 .
قال ابن كثير رحمه الله :
"هذا أمر بالتزويج ، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه . واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
وقد جاء في السنن من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ) .
الأيامى : جمع أيِّم ، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها ، وللرجل الذي لا زوجة له ، سواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما " انتهى بتصرف .
ثانياً :
ينبغي للولد أن يصارح أباه برغبته في الزواج ، وينبغي للأب أن يقدّر ذلك ، وأن يعين ابنه عليه ، بل ذهب كثير من الفقهاء إلى أن ذلك واجب عليه عند القدرة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال أصحابنا : وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته ، وكان محتاجا إلى إعفافه ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي " انتهى من "المغني" (8/172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به ، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك . وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه ، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/410) .
ومن الأخطاء الشائعة : إعراض الأب عن الاستماع إلى ابنه في هذه القضية ، وتجاهله لحاجة الولد ، وقد تكون حاجته إلى الزواج ملحّة ، مما يترتب على تأخير زواجه وقوعه في نوع من الانحراف ، ومعلوم أن الناس يتفاوتون في هذه الحاجة ، وفي مدى ضبط النفس تجاهها ، وقد يأثم الأب بامتناعه عن تزويج ابنه المحتاج لذلك ، كما سبق .
ومن الآباء من يقدم أمر الدراسة والوظيفة على الزواج مطلقا ، فليس لديه مجال للنظر أو التفكير في زواج ابنه قبل ذلك ، وهذا خطأ أيضا ، بل ينبغي أن يدرس الأمر ، وأن يقارن بين المصالح والمفاسد ، وأن يتعرف على مدى حاجة ابنه للزواج ، ومدى قدرته على الجمع بينه وبين الدراسة ، وأيهما أولى بالتقديم عند تعذر الجمع ، فإنّ حفظ الدين معتبر ، بل مقدم على حفظ البدن والمال ، ومن باب أولى يقدم على الدراسة .
ثالثا :
قد يكون الأب معذورا في رفضه تزويج ابنه قبل إكمال الدراسة ، إما لأنه يرى الابن غير منضبط في تصرفاته ، لا يتحمل مسئولية نفسه ، فضلا عن تحمل مسئولية غيره ، أو يراه مهملا في دراسته ، ويغلب على ظنه أنه بعد الزواج سيزداد إهمالا ، أو لا يرى حاجته الماسة للزواج ، وإنما هي مجرد رغبة عابرة ، أو تقليد لغيره ، فعلى الابن أن يلتمس العذر لأبيه ، وأن يسعى لإقناعه ، وأن يبين له مدى حاجته للزواج ، ومدى قدرته على رعاية أهله بعد ذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .