الحمد لله.
أولا :
إن كان ما ذكرت من السب للدين والقدر ، قد تلفظت به ، فلا شك أن ما صدر منك أمر عظيم ، وهو ردة عن الإسلام ، وقد أسأت بذلك إلى الله العظيم الذي أنعم عليك ، وخلقك ، وهداك ، وهو أرحم بك من كل أحد ، ولعله صرفك عن الهندسة ، لخير عظيم أراد أن يسوقه إليك ، أو شر كبير ، أراد أن يصرفه عنك ، فكان عليك أن تسلّم وترضى .
وإن كان مجرد حديث في النفس ، لم تتلفظ به ، ولم يستقر في قلبك ، فكان عليك أن تبادر برفضه ، واستحضار نعمة الله وفضله عليك .
وفي كل حال ، تركك للصلاة ذنب آخر ، ومصيبة أخرى ، ومعلوم أن تارك الصلاة كسلا ، مختلف في كفره بين أهل العلم ، والراجح أنه كافر ، لدلالة النصوص على ذلك .
ثانيا :
مهما عظم ذنبك فإن حلم الله تعالى أعظم .
ومهما كان ذنبك ، ثم تبت منه ، فإن الله تعالى يتقبل توبتك ، ويعفو عنك ، وقد وعد بذلك ، وهو أصدق القائلين سبحانه وتعالى .
والآية الكريمة التي ذكرتها ، وهو قوله سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء/48 ، هي في حق من لقي ولم يتب من الشرك ، فالله لا يغفر له ، وأما من تاب قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها ، فإن الله تعالى يتقبل منه ، ويبدل سيئاته حسنات ، سواء وقع في الكفر والشرك أو في الكبائر أو الصغائر ، والمهم أن يتوب توبة صادقة ، يندم على ما فات ، ويعزم على عدم العود إليه أبدا .
والدليل على ذلك قوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70.
وقال سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 .
وقال : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 .
ولا فرق في ذلك بين من كان كافرا في الأصل ثم هداه الله ، وبين من كان مسلما ثم ارتد – عياذا بالله – ثم تاب وأناب ، فالتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب ، والإسلام يهدم ما كان قبله .
وقوله سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 ، عام في كل من أذنب ثم تاب ، سواء كان كافرا من الأصل أو كان مسلماً وارتد ، بل تشمل كل أصحاب المعاصي .
قال ابن كثير رحمه الله : " هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ، ولا يصح حمل هذه على غير توبةٍ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه " انتهى من "تفسير كثير" (4/75).
وأما الذين يزادون عن الحوض ، ويقال فيهم : ( إنهم أحدثوا بعدك ) فهذا في حق من لم يتب ، بل لقي الله تعالى محدِثا مرتدا .
فإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى ، فأبشر ، واحمد الله تعالى أن مدّ في عمرك حتى رجعت إلى الإسلام ، وأكثر من الصالحات ، واجتهد في الطاعات ، ليكون حالك بعد التوبة أفضل من حالك قبلها ، واحذر من التهاون في الصلاة أو تأخيرها عن أوقاتها ، فإن الصلاة شأنها عظيم ، وهي صلة بين العبد وربه ، وباب إلى السعادة والراحة وانشراح الصدر ، نسأل الله أن يتقبل منك ، وأن يتجاوز عن ذنبك .
والله أعلم .