الحمد لله.
لا زكاة على هذه الأرض ؛ لأن جمهور الفقهاء يشترطون لزكاة التجارة أن يملكها الإنسان بفعله بنية التجارة ، فإذا ملكها بإرث فقد ملكها بغير فعله ، فلا زكاة عليه ولو نوى التجارة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين ; أحدهما أن يملكه بفعله, كالبيع , والنكاح , والخلع , وقبول الهبة , والوصية , والغنيمة , واكتساب المباحات... والثاني : أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك .
وإن ملكه بإرث , وقصد أنه للتجارة , لم يصر للتجارة لأن الأصل القنية , والتجارة عارض, فلم يصر إليها بمجرد النية , كما لو نوى الحاضر السفر , لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل.
وعن أحمد , رواية أخرى , أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ; لقول سمرة : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع . فعلى هذا متى نوى به التجارة صار للتجارة " انتهى من "المغني" (2/336) باختصار.
والقول الأول هو المذهب عند الحنابلة ، والحنفية والمالكية والشافعية .
وانظر : "بدائع الصنائع" (2/12)، "شرح الخرشي على خليل" (2/195)، "المجموع" (6/5)، "الموسوعة الفقهية" (23/271).
وأما القول الثاني الذي هو رواية عن أحمد ، فقد رجحه الشيخ ابن عثيمين ، لكن فَرَّق بين من يبيع الأرض ليتكسب ويربح ويتجر ، وبين أن يبيعها لأنه لم يعد بحاجة إليها ، وقد رغب عنها ، فالأول عليه الزكاة بخلاف الثاني .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والقول الثاني في المسألة : أنها للتكون للتجارة بالنية ولو ملكها بغير فعله ، ولو ملكها بغير نية التجارة ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهذا الرجل نوى التجارة ، فتكون لها .
مثال ذلك : لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب ، ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته . فإن كان عنده سيارة يستعملها ، وبدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة ؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة ، ولكن لرغبته عنها .
ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها ، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها ، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة ؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها ، فهناك فرق بين شخصين : أحدهما يجعلها رأس مال يتجر بها ، وشخص عَدَل عن هذا الشيء ورغب عنه ، وأراد أن يبيعه ، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح ، والثانية لا زكاة فيها " انتهى من "الشرح الممتع" (2/626).
والحاصل : أنه لا تلزمكم الزكاة ، على القولين .
والله أعلم .