الحيلة الثلاثية على الربا
أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط ، ثم أبيعها لأستفيد من ثمنها ، لحاجتي الماسة للنقود ، ولكن طريقة الشركة التي سوف أشتري السيارة منها كما يلي :
تشتري السيارة ببطاقة جمركية ، أي بدون الذهاب إلى المرور لاستخراج لوحات ، مجرد عقد بيع بين الشركة والمعرض ، والسيارة في مكانها ، ثم آخذ أنا البطاقة الجمركية ولي حرية التصرف في البيع .
السؤال : هل هذه الطريقة شرعية ؟ وهل يجوز لي أن أبيعها على نفس المعرض ، مع العلم أن السيارة في مكانها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
شراء السلعة ثم بيعها على غير البائع الأول ، لأجل الحصول على النقود ، يسمى "
التورق " مأخوذ من " الورِق " وهو الفضة ، وهو جائز عند جمهور الفقهاء .
انظر جواب السؤال رقم (45024)
.
وطلب الإنسان من غيره أن يشتري سلعة ، ثم يبيعها له بثمن مقسط ، يسمى بيع المرابحة
للآمر بالشراء ، وهو جائز بشرطين:
الأول: أن تقوم الشركة بشراء السلعة لنفسها ، قبل أن تبيعها على العميل.
الثاني: أن تقبض الشركة السلعة ، قبل بيعها على العميل .
وإذا خلت المعاملة من هذين الأمرين ، أو من أحدهما ، كانت معاملة محرمة.
فقد ورد النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك ، وعن بيع ما ليس عنده ، وعن بيع السلع
قبل قبضها :
فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( لا تبع ما
ليس عندك ) رواه أبو داود (3503) والنسائي
(4613) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد(15399) والنسائي ( 4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا
وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ : ( فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ
حَتَّى تَقْبِضَهُ ) وصححه الألباني في صحيح
الجامع برقم : 342
وأخرج أبو داود (3499) و الدارقطني (3/13) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه
نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم "
والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما
فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132)
ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن
عباس : " وأحسب كل شيء مثله " أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .
وانظر حول بيع المرابحة إجابة السؤال رقم (36408)
.
وبناء على ذلك : فليس للشركة أن تبيع السيارة حتى تقبضها ؛ وقبض كل شيء بحسبه ،
فقبض السيارة: أن تنقل من محلها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما
أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف "
انتهى من "الشرح الممتع" (8/381).
ومنه تعلم أنه لا يصح أن تبقى
السيارة في مكانها ، بل على الشركة أن تنقلها من المعرض ، قبل أن تبيعها عليك .
وهذا هو القول الراجح في المسألة ، أنه لا يجوز بيع السلع قبل قبضها ، لا فرق في
ذلك بين الطعام وغيره ، وهو مذهب الشافعي ، وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية ،
ورواية عن أحمد .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/123) : " وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل
قبضه : فمذهب الشافعية , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول محمد , وهو أيضا رواية عن
الإمام أحمد : أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه , سواء أكان منقولا أم عقارا , وإن
أذن البائع , وقبض الثمن . وذلك لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه , قال : قلت :
يا رسول الله : إني أشتري بيوعا , فما يحل لي منها , وما يحرم علي ؟ قال : إذا
اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا
بيع ما ليس عندك . ومعنى ربح ما لم يضمن ربح ما بيع قبل القبض . مثل : أن
يشتري متاعا , ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيع باطل , وربحه لا
يجوز , لأن المبيع في ضمان البائع الأول , وليس في ضمان المشتري منه , لعدم القبض .
ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع
السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم . والمراد بحوز التجار : وجود
القبض , كما في الحديث قبله . ولضعف الملك قبل القبض , لانفساخ العقد بتلفه . وهذا
هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض . وعلل الحنابلة , عدم
الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم , بأنه لم يتم الملك عليه
, فلم يجز بيعه , كما لو كان غير متعين , وكما لو كان مكيلا أو موزونا . ومذهب
الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه , ولو كان من بائعه , وذلك للحديث المذكور
برواياته , فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه . ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ
العقد الأول , على تقدير هلاك المبيع في يد البائع , وإذا هلك المبيع قبل القبض
ينفسخ العقد , فيتبين أنه باع ما لا يملك , والغرر حرام غير جائز , لأن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر . ولا يفرق الحنفية في ذلك
بين الطعام وبين غيره من المنقولات , وذلك : لقول ابن عباس كما تقدم آنفا : ولا
أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام . وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر , قال
: " ابتعت زيتا في السوق , فلما استوجبته , لقيني رجل , فأعطاني فيه ربحا حسنا ,
فأردت أن أضرب على يده ( أي أن أقبل إيجابه , وأتفق على العقد ) فأخذ رجل من خلفي
بذراعي , فالتفت , فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال : لا تبعه حيث ابتعته , حتى
تحوزه إلى رحلك , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع
, حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ... وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو
يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا , وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير
تخصيص , ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد . ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في
العقار بالهلاك , بخلاف المنقول . ولأن العقار مقدور التسليم , ولا يرد عليه الهلاك
إلا نادرا بغلبة الماء والرمل , والنادر لا يعتد به ... وخالف الإمام محمد , فلم
يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول الشافعي كما قدمنا ,
وذلك لإطلاق الحديث , وقياسا على المنقول "
انتهى .
والسيارة لا شك أنها من المنقول ، فلا يجوز بيعها قبل قبضها ، في مذهب الحنفية أيضا
.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة
معينة أو موصوفة بوصف يضبطها ، ووعده أن يشتريها منه ، فاشتراها مَن طُلبت منه ،
وقبضها ، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم ،
وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده ؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على
طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها
أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث
تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى.
ثانيا :
إذا قامت الشركة بشراء السيارة ونقلها من المعرض ، فلا حرج في أن تبيعها عليك دون
الذهاب إلى المرور واستخراج اللوحات لها ؛ لأن هذه الإجراءات توثيق للحق ، وليست
شرطا لصحة البيع وانتقال الملك .
ثالثا :
لا يجوز لك في هذه الصورة أن تبيع السيارة على المعرض ، لأنه من التحايل على الربا
.
وهذه الحيلة تسمى الحيلة الثلاثية أو المثلثة ، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله وغيره . قال : " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا ، ثم
يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي ، ثم يبيعه المرابي لصاحبه ، وهي الحيلة المثلثة "
انتهى من مجموع الفتاوى (29/28).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وكذلك انتشرت حيلة سابقة ، يأتي الفقير إلى
شخص فيقول : أنا أحتاج ألف ريال ، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي
شيء ، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال ، ثم يبيعها على
المحتاج بألف ومائتين ، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه ، فكيفية القبض
عندهم أن يمسح على الأكياس بيده ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع
السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا
يسمى قبضا ، لكن كانوا يفعلون هذا . بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده
هذه الأكياس ، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر ، لأن الفقير يريد الدراهم
ولا يريد أكياس طعام ، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال ، فيؤكل
المسكين الفقير من الجانبين ، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان ، فصاحب الدكان
أخذ منه مائة ريال ، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف ، وهذه سماها شيخ الإسلام
رحمه الله المسألة الثلاثية ، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص ، ومسائل الربا لا تحل
بالحيل .
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا ، فالمحرم خبيث ، فإذا
احتلت عليه صار أخبث ؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل ، والله
سبحانه لا تخفى عليه خافية ، وإنما الأعمال بالنيات "
انتهى من "الشرح الممتع" (8/211).
والحيلة فيما ذكرت واضحة ، لا سيما والسيارة باقية في محلها ، وعلى صفتها الأولى ،
لم توضع لها لوحات ، ولم تسجل باسم أحد .
والحاصل : أنه لابد من شراء الشركة للسيارة شراء حقيقيا ، ونقلها من المعرض قبل
بيعها عليك ، وأنه لا يجوز أن تبيع السيارة على نفس المعرض .
والله أعلم .