الحمد لله.
ذهب بعض أهل العلم إلى منع ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية ، رغبة منهم رحمهم الله في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها ، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها .
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي ، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها ، ولاشك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ ، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثّر فيهم خطبة الخطيب ولا يدفعهم ذلك إلى تعلّم اللغة العربية والحرص عليها ، ( وخصوصا في هذا الوقت الذي تخلّف فيه المسلمون وتقدّم غيرهم انتشرت لغة الغالب وانحسرت لغة المغلوب في هذا العالم ) .
وإذا كان المقصود من إيصال العلم والشّريعة إلى الناس لا يتحقّق عند غير العرب إلا إذا تُرجمت الخُطب إلى لغتهم فإنّ القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى أحق بالإتباع ، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام ، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعيّنة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة .
وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون ، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين .
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة ، منها قوله عزّ وجلّ ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم ) ، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة ، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم ، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة مترجمين ، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة ، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسّك كل قوم بلغتهم ، فالحاجة للترجمة الآن ماسّة ولا يُمكن أن تتم للداعي دعوته إلا بذلك .
ويُراعي الخطيب ما هو الأصلح للحاضرين فإن كان الأنفع هو تجزئة الخُطبة بالعربية وترجمة كلّ جزء بعده حتى تكتمل الخطبة فعل ذلك ، وإن كان الأنفع ترجمتها كلّها بعد الخطبة أو بعد الصلاة فعل ذلك والله تعالى أعلم .
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله