كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد ؟ وما حكم صلاتهم خلفه ؟
لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى ، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات ، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله ، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله : هل ما يقال عنك صحيح ؟ فأجاب الإمام بافتخار : إنها عشيقتي ، ومن لم يعجبه حالي : فلا يصلي ورائي ، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه ، فكان جواب أبيه أنه قال : إنه لا يسمع لكلامي ، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا ، وقال : أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح .
وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم ، ويُخشى عليه من
الردة ، أو سوء الخاتمة ، ووجه ذلك :
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره ، وقبح أفعاله ، وقد أمر الله تعالى
بتعظيم بيوته وتطهيرها ، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف ، فأن تتخذ
مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح ، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد
الضرار !
قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ )
النور/ 36
، والبيوت في الآية هي : المساجد .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أمَر الله برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنَس ، واللغو ، والأفعال والأقوال التي
لا تليق فيها ..وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله سبحانه ببنائها ، ورفعها ،
وأمر بعمارتها ، وتطهيرها ...وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها ،
وتوقيرها ، وتطييبها ، وتبخيرها " انتهى "
تفسير ابن كثير " ( 6 / 62 ) .
2. والأمر الآخر : افتخاره بالمعصية وتبجحه بها ، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء
مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة ، مع التبجح بها والافتخار .
وانظر جواب السؤال رقم (
9562 ) ففيه بيان
وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته .
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له ، والأخذ على يده ، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن
فيبذلون له النصح ، ويبينون له خطر فعله ، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا ، وأن
الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على
أن يكون ذلك باللطف والحكمة .
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ،
وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ )
رواه مسلم ( 55 )
.
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات : فنعم الفعل فعله
، ولكم الأجر على ذلك ، أما إن رد عليكم نصحكم ، واستمر في غيه وانحرافه : فتنتقلون
للخطوة الثانية :
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة ، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد
، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره ، أو فصله من وظيفته .
2. منعه من الإمامة ، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة ، أو منازعات بين المصلين
. وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من
أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة . وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي
داود .
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي .
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه ، فإن لم يتيسر لكم مسجد
آخر تصلون فيه : فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه ، وإثمه على نفسه ، والصلاة وراء
الفاسق الفاجر جائزة ، وصحيحة ، وهي خير من صلاة المرء وحده ، ولا يجوز ترك الجمعة
والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع ، وخلف أهل الفجور : ففيه نزاع مشهور ،
وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء : أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة : لا يجوز
مع القدرة على غيره ، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع : يجب الإنكار عليه ،
ونهيه عن ذلك ، وأقل مراتب الإنكار : هجره ؛ لينتهي عن فجوره ، وبدعته ، ولهذا
فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية ؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق
الإنكار عليه ، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب ، فهذا لا ينكر عليه في
الظاهر ، فإن الخطيئة إذا خفيت : لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر :
ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " (
23 / 342 ) .
وقال رحمه الله :
" الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق ، لكن اختلفوا في صحتها ، فقيل : لا
تصح ، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما ، وقيل : بل تصح ، كقول أبى حنيفة
والشافعي ، والرواية الأخرى عنهما ، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته "
انتهى " مجموع الفتاوى " ( 23 / 358 )
.
وانظر جواب السؤال رقم (47884)
.
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره ، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية ،
وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء . وقد جاء الوعيد
للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته .
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ :
الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا
سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ).
رواه الترمذي ( 360 ) ، وحسَّنه ، وحسَّنه
الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون : أن صلاته غير
مقبولة " انتهى " السيل الجرار " ( 1 / 255
) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه ، ونسأل الله تعالى له الهداية .
والله أعلم