الحمد لله.
روي البخاري (2134) ومسلم (1586) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا ، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا ، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا ، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ) .
ومعنى : هاء وهاء : خذ وهات .
وروى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ . فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) .
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز تأخير أحد الربويين إذا بيع بالآخر، وأنه يجب على المتعاقدين أن يتقابضا في المجلس .
فتأخير القبض في أحد الربويين المتحدين في علة ربا الفضل لا يجوز ، وهو ربا النسيئة ، فإذا كان عندنا ربويان اتحدا في علة ربا الفضل ولو اختلف جنسهما فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون ذلك يداًَ بيد .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ : فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً "
"الأم" (3/24)
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/30) :
" كُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ , كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ , وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ , وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ , عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخَرِ نَسَاءً , بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام : ( فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ ) " انتهى .
وراجع : "المبسوط 14/10) – "تبيين الحقائق" (4/135) – "الموسوعة الفقهية" (26/350)
سئل علماء اللجنة :
أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التلفون من مكة أو من خارج المملكة ، وهو في الرياض ، من صائغ معروف لديه ، والبضاعة معروفة لدى المشتري ، كأن تكون غوايش أو غير ذلك ، ويتفقون على السعر ، ويحول له الثمن بالبنك ، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل ؟
فأجابت اللجنة : " هذا العقد لا يجوز أيضا ؛ لتأخر قبض العوضين عنه ، الثمن والمثمن ، وهما معا من الذهب أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة ، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي ، وذلك يسمى بربا النسأ ، وهو محرم ، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد يدا بيد " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/475)
وقال علماء اللجنة أيضا :
" لا يجوز بيع الذهب بالذهب ، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، سواء كان العوضان من المصاغ أم من النقود أم كان أحدهما مصاغا والآخر من النقود ، وسواء كان العوضان من ورق البنكنوت أم كان أحدهما من ورق بنكنوت والآخر مصاغا أم من النقود .
وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا ، أو نقدا ، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا ، أو من العُمل الأخرى - جاز التفاوت بينهما في القدر ، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد ، وما خالف ذلك في هذه المسألة فهو ربا ، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... الآية . البقرة/275 " انتهى
"فتاوى اللجنة" (13/484)
وفتاوى العلماء في ذلك أكثر من أن تحصى .
والخلاصة : أن هذه المعاملة المسئول عنها لا تجوز ؛ لأنها من المعاملات الربوية المنهي عنها ، وليس المطلوب أن تنتقل الشركة إلى كل زبون في مكانه ؛ لكن بالإمكان أن ترسل له ثمن الذهب ، مع المندوب الذي يستلم الذهب من بائعه ، أو توكل من تشاء في ذلك ، أو ينتقل هو إلى مقر الشركة ، ليبيع بنفسه عندها ، ويستلم الثمن .
وعلى أية حال ، فلا يظهر لنا صعوبة في إيجاد المخرج الشرعي ، من هذه المعاملة الممنوعة ؛ ومن يتق الله يجعل له مخرجا !!
والله تعالى أعلم .
تعليق