الحمد لله.
إذا كان أخواتك قد تنازلن عن حقهن في التركة اختياراً وطواعية ، وهن رشيدات ، فليس لهن الرجوع في ذلك ؛ لأن الهبة تلزم بالقبض ، ويحرم الرجوع فيها .
روى البخاري (2589) ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ).
وفي رواية للبخاري (2622) ( لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ).
وروى الترمذي (1299) والنسائي (3703) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وابنِ عباس عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ).
وفي رواية للنسائي (3692) ( لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا مِنْ وَلَدِهِ ).
ولا فرق بين التنازل شفهياً أو كتابة في المحكمة ، فإن الكتابة لمجرد التوثيق ، وأما الأحكام فتثبت بحصول التلفظ بالهبة أو التنازل .
وإن تبين أنهن تنازلن عن حقهن حياء أو إكراهاً ، فلهن الرجوع في ذلك ، بل يلزمكم رد الحق لهن - ولو لم يطلبن- ؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، ويعاد تقسيم التركة حينئذ ليأخذ كل وارث نصيبه .
وإذا كانت إحدى أخواتك غير رشيدة - والرشيدة : هي البالغة العاقلة التي تحسن التصرف في المال - لم يصح تنازلها عن إرثها .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : " أبي متوفى منذ مدة ويوجد لدينا بيت باسمه, وقررنا
بيعه, وتقسيم التركة, وتريد إحدى أخواتي التنازل عن حقها في الميراث لي لمساعدتي
على الزواج ، علما أنها متزوجة وفي حالة ميسورة هي وزوجها، فهل يجوز ذلك؟ أ فيدوني
أفادكم الله .
فأجاب : لا حرج عليك في قبول هبة أختك لك نصيبَها من البيت ، مساعدة لك في الزواج ،
إذا كانت رشيدة ؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على جواز تبرع المرأة
بشيء من مالها لأقاربها وغيرهم.
كما يشرع لها الصدقة إذا كانت رشيدة . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى
الشيخ ابن باز" (20/ 42).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/ 554) فيمن تنازل عن جزء من نصيبه لأمه : " وأما بالنسبة لتنازلك عن المال المذكور لأمك ، ثم تراجعك عن هذا التنازل قبل أن تقبضه أمك ، فالأولى بك الاستمرار على هذا التنازل وعدم التراجع عنه ؛ لأن ذلك من باب الإحسان إلى والدتك ، وقد قال الله تعالى في الوالدين: ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) ولما سألت أسماء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل تصل أمها وهي كافرة ؟ قال لها صلى الله عليه وسلم : صلي أمك . أما لو كانت أمك قبضت المال فإنه لا يحل لك الرجوع فيه " انتهى .
والله أعلم .
تعليق