الحمد لله.
أولاً:
رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة من اعتقاد أهل السنَّة والجماعة ، وقد كثرت النصوص من الوحي على ذلك ، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
" والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً ، وقد ذكر البخاري بعضها في أواخر " الصحيح " في " كتاب التوحيد " ، وقد أجمع على ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة وأتباعهم .
وإنما خالف فيه طوائف أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ونحوهم ، ممن يرد النصوص الصحيحة ؛ لخيالات فاسدة ، وشبهات باطلة ، يخيلها لهم الشيطان ، فيسرعون إلى قبولها منه ، ويوهمهم أن هذه النصوص الصحيحة تستلزم باطلاً ، ويسميه تشبيهاً أو تجسيماً ، فينفرون منه " انتهى من " فتح الباري " لابن رجب ( 4 / 63 ) .
وقال الذهبي – رحمه الله - :
" وأما رؤية الله عيانا في الآخرة : فأمر متيقن ، تواترت به النصوص ، جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما " انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 2 / 167 ) .
وقال ابن كثير – رحمه الله - :
" وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 8 / 279 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 116644 ) .
ثانياً:
أما ما ورد من رؤية المؤمنين ربَّهم تعالى كل يوم مرتين : فلم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الغيب الذي لا يُقبل من أحد إلا بوحي .
وقد ورد ذلك في عدة روايات ، وكلها من حديث عن ابْنِ عُمَرَ يقول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً ) ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )
رواه الترمذي ( 2553 ) .
وقال :
" وقد روي هذا الحديث عن غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا .
ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا .
وروى عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ، ولم يرفعه .
حدثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن بن عمر نحوه ولم يرفعه " انتهى .
والحديث لا يصح مرفوعاً ، ولا موقوفاً ، وعلة المرفوع والموقوف : ثوير بن أبي فاختة .
قال الذهبي – رحمه الله - : " واهي الحديث " انتهى من " مستدرك الحاكم " ( 2 / 553 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
" لا أعلم أحداً صرح بتوثيقه ، بل أطبقوا على تضعيفه ، وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بيِّن " انتهى من " فتح الباري " ( 13 / 419 ) .
وقال الهيثمي – رحمه الله - :
" في أسانيدهم – أي : أحمد وأبو يعلى والطبراني - : ثوير بن أبى فاختة ، وهو مجمع على ضعفه " من " مجمع الزوائد " ( 10 / 401 ) .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
" فلا يصح الحديث لا مرفوعاً ولا موقوفاً " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 4 / 451 ) .
ثالثاً:
رغم ما أشرنا إليه من ضعف الحديث ، فإن الظاهر أن أهل الجنة لا يتساوون في رؤية الله جل جلاله التي هي أعظم نعيمهم ، فإن الرؤية إذا كانت ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم ، كان من المعقول أن تتفاوت منازلهم في هذه الرؤية ، ويتفاوت تنعمهم بها ، بحسب تفاوت منازلهم في الجنة ؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى القول بموجب هذا الحديث ، رغم ما في إسناده من مقال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ " الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ " عَلِمَ أَنَّ التَّجَلِّيَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَهُ عِنْدَهُمْ وَقْعٌ عَظِيمٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ أَكْثَرَ " .
ثم قال :
" ثُمَّ هَذَا مِنْ الْمُمْكِنِ : أَنَّ " الرُّؤْيَةَ جَزَاءُ الْعَمَلِ " ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَوَابُ شُهُودِ الْجُمُعَةِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ فِيهَا يَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَتَفَاوُتِ الثَّوَابِ بِتَفَاوُتِ الْعَمَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ ... ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِحَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الصَّالِحَ إذَا انْقَضَتْ الْجُمُعَةُ اشْتَغَلَ بِمَا أُبِيحُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأُولَئِكَ اشْتَغَلُوا بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ ، فَكَانُوا مُتَقَرِّبِينَ إلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، فَقَرُبُوا مِنْهُ بَعْدَ الْجُمْعَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذِهِ " الْمُنَاسَبَةُ الظَّاهِرَةُ " الْمَشْهُودُ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ التَّجَلِّيَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .. " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (6/455-457) .
وقال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله :
"كل من دخل الجنة فسيرى الله ، ولكن الرؤية تتفاوت ؛ منهم من يراه بكرة وعشياً ، ومنهم من يراه في الأسبوع مرة في يوم جمعة ، كما جاء النص في ذلك ؛ فالرؤية تتفاوت حسب الأعمال والإيمان كما تتفاوت درجات الجنة " انتهى .
"شرح الواسطية" ، الغنيمان .
وسئل الشيخ العثيمين - رحمه الله - :
هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل ؟ .
فأجاب :
" الظاهر : أنها حسب العمل والدرجة ؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " ( 228 / السؤال رقم 3 ) .
والله أعلم
تعليق