الحمد لله.
أولا :
التعطيل هو النفي والإنكار ، كمن نفى وجود الله ، أو نفى أسمائه وصفاته ، وهو بهذا المعنى أقرب إلى الكفر من الشرك ، غير أن الشرك والكفر قد يطلق كل منهما بمعنى الآخر .
وقصة صاحب الجنة في سورة الكهف تدل على هذا ، قال الله تعالى : (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا) الكهف/34 – 42 .
فالرجل أنكر قيام الساعة ، وهذا كفر ، وجاءت الآيات بوصفه مرة بالكفر ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) ووصفته مرة أخرى بالشرك ( وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ) ، مما يدل على أن الشرك والكفر قد يطلقان على معنى واحد .
قال النووي رحمه الله :
" الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك " انتهى .
"شرح صحيح مسلم" (2/71) .
وقال أبو هلال العسكري رحمه الله :
" الْفرق بَين الْكفْر والشرك : أَن الْكفْر خِصَال كَثِيرَة على مَا ذكرنَا ، وكل خصْلَة مِنْهَا تضَاد خصْلَة من الْإِيمَان ؛ لِأَن العَبْد إِذا فعل خصْلَة من الْكفْر فقد ضيع خصْلَة من الْإِيمَان . والشرك خصْلَة وَاحِدَة ، وَهُوَ إيجاد آلِهَة مَعَ الله ، أَو دون الله ، واشتقاقه ينبئ عَن هَذَا الْمَعْنى . ثمَّ كثر حَتَّى قيل لكل كفر شرك ، على وَجه التَّعْظِيم لَهُ وَالْمُبَالغَة فِي صفته ... ، ونقيض الشّرك فِي الْحَقِيقَة الْإِخْلَاص ، ثمَّ لما اسْتعْمل فِي كل كفر صَار نقيضه الْإِيمَان " انتهى من " الفروق اللغوية" (230) .
ثانيا :
دخول التعطيل تحت مسمى الشرك أيضا نص عليه أهل العلم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الشرك شركان : شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وشرك في عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . والشرك الأول نوعان : أحدهما شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك ، كشرك فرعون إذ قال : ( وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) الشعراء/ 23، وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ) غافر/ 36، 37 .
فالشرك والتعطيل متلازمان ، فكل مشرك معطل ، وكل معطل مشرك ، لكن لا يستلزم أصل التعطيل ، بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته ولكن عطل حق التوحيد .
وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو التعطيل وهو ثلاثة أقسام :
- تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه .
- وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله .
- وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد . ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ومخلوق ، ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته .
ومن هذا شرك من لم يعظم أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة فلم يثبتوا اسما ولا صفة بل جعلوا المخلوق أكمل منه ، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها " انتهى من "الجواب الكافي" (ص 90-91)
والله أعلم .
تعليق