الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل يحل للمسلم أكل ذبائح " الصابئة " وسائر طعامهم ؟

171935

تاريخ النشر : 22-11-2011

المشاهدات : 43430

السؤال


هل يجوز أكل طعام الصابئين الذين هم على دين النبي يحيى ؟ وما حكم الطعام الذين يشترونه من السوق مثل الكيك أو الفواكه ؟ .

الجواب

الحمد لله.


الكلام في " الصابئة " كثير متشعب ، وهم فرق شتَّى ، وقد اختلف العلماء في وصفهم وحكمهم اختلافاً كبيراً ، وخلاصة أمرهم : أن من دان منهم بدين اليهود والنصارى فهو منهم وله حكمهم ، ومن كان منهم على غير دين أهل الكتاب فهو وثني لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وكذلك اختلاف الفقهاء في " الصابئين " هل هم من أهل الكتاب أم لا ، ويُذكر فيه عن أحمد روايتان ، وكذلك قولان للشافعي ، والذي عليه محققو الفقهاء : أنهم صنفان ، فمن دان بدين أهل الكتاب كان منهم وإلا فلا " انتهى من " الرد على المنطقيين " ( ص 456 ) .
فهذا هو الصواب فيهم وأنهم فرق متعددة لا فرقة واحدة ، وهو ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله بعد تحقيق وافٍ في بيان مذاهبهم وعقائدهم في مواضع من كتبه ، ومما قاله فيهم في كتابه " إغاثة اللهفان " ( 2 / 252 ) : " الصابئة فرَق ، فصابئة حنفاء ، وصابئة مشركون ، وصابئة فلاسفة ، وصابئة يأخذون بمحاسن ما عليه أهل الملل والنحل من غير تقيد بملة ولا نحلة ، ثم منهم من يقر بالنبوات جملة ويتوقف في التفصيل ، ومنهم من يقر بها جملة وتفصيلاً ، ومنهم من ينكرها جملة وتفصيلاً " انتهى .
وانظر ما نقلناه عنه من كتابه " أحكام أهل الذمة " في جواب السؤال رقم ( 49048 ) وفي الجواب ذِكر مواضع ذِكر الصابئة في القرآن ، وبيان أنَّ منهم من له حكم أهل الكتاب ومنهم من له حكم المجوس .
وليُعلم أن ما نذكره من تفصيل هنا في حكم الصابئة إنما هو باعتبار هل تحل ذبائحهم كأهل الكتاب أم لا ، وليس الكلام هنا في كفرهم ، فكل من دان بدينٍ سوى الإسلام ، فإنه لا يُقبل منه بعد الإسلام ، والصابئة لا شك في كفرهم ، وإنما كلامنا هنا في هل تحل ذبائحهم أم لا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ومعرفة مراتب الأديان محتاج إليها في مواضع كثيرة لمعرفة مراتب الحسنات ، والفقهاء يذكرون ذلك لأجل معرفة أحكامهم وتناكحهم وذبائحهم وفي دمائهم وقتالهم وإقرارهم بالجزية المضروبة عليهم ونحو ذلك من الأحكام التي جاء بها الكتاب والسنة في أهل الملل والأحزاب " انتهى من " الاستقامة " ( 1 / 463 ) .

والذي نراه بعد الاطلاع على ما كتبه العلماء في بيان حالهم وما يُعرف من واقعهم في العراق وإيران : أنهم – الآن – وثنيون مشركون ، إن لم يكونوا كلهم ، فالأكثر منهم ، وقد سألْنا بعضَ طلبة العلم من أهل العراق ممن كان على دينهم فهداه الله تعالى للإسلام ، ولطريق السلف وطلب العلم ، عن الصابئة في العراق فقال : إن أكثرهم وثنيون ، وإن نسبة من يدين بدين أهل الكتاب منهم لا تتعدى واحد بالمائة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وقال أبو الزناد : " الصابئون قوم مما يلي العراق ، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ، ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ، ويصلون إلى الشمس كل يوم خمس صلوات " .
فهؤلاء الصابئة الذين أدركهم الإسلام وكانوا بأرض " حرَّان " والذين خبروهم عرفوا أنهم ليسوا من أهل الكتاب ، بل مشركون يعبدون الكواكب ، ولا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم ، وإن أظهروا الإيمان بالنبيين ، فهو من جنس إيمان الفلاسفة بالنبيين ، والفلاسفة الصابئون من هؤلاء " انتهى من " الرد على المنطقيين " ( ص 456 ) .

وقد ذكر أصحاب " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " ( ص 739 ) : أن طائفة الصابئة المندائية هم الطائفة الباقية الوحيدة من الصابئة ، وهم الذي يعتقدون في يحيى عليه السلام نبيّاً لهم ، وقد قالوا فيهم : " الصابئة المندائية " هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم ، والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها ، يقدّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها ، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي ، وكذلك التعميد في المياه الجارية من أهم معالم هذه الديانة " انتهى .
وخلصوا في نهاية بحثهم حولها أن هذه الطائفة صارت كأنها طائفة وثنية فقالوا : " وقد أصبحت هذه الطائفة كأنها طائفة وثنية تشبه صابئة حران الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية " انتهى من " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " ( ص 750 ) .

وعليه : فلا نرى جواز أكل ما ذبحه الصابئة الباقون اليوم ، إلا أن يثبت أن الذابح منهم يدين بدين أهل الكتاب – وهم قليلون جدّاً - فيكون له حكم أهل الكتاب في حلِّ ذبيحته إذا ذكر الله تعالى وأنهر الدم ، وأما ما يصنعه أولئك من الخبز أو الحلويات أو غير المذبوح من الأطعمة فهو حلال لآكله .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب