الحمد لله.
أولا :
مكانة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم – على وجه الإجمال – مكانة محفوظة معروفة ، يقررها أهل السنة في كثير من كتبهم ، ويستدلون عليها بكثير من الأدلة الصحيحة الثابتة في السنة النبوية .
وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بتوسع في الإجابة رقم : (121948)
ثانيا :
لكن فضل آل البيت الذي يستوجب التوقير والتكريم والرعاية خاص بالأتقياء والصالحين منهم ، ولا يشمل من كفر أو فسق أو ساءت أخلاقه وصفاته ، وذلك لأدلة كثيرة ، منها :
1. قول الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13.
2. وقوله عز وجل : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) المؤمنون/101، فتأمل كيف تقرر هذه الآيات أن الكرامة عند الله يوم القيامة ميزانها التقوى والعمل الصالح ، وأن النسب الشريف لا ينفع صاحبه إذا لم يلبس لباس التقوى.
3. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ) رواه مسلم (2699)
ثالثا :
ننقل هنا تقرير العلماء أن النسب الشريف لا يرفع صاحبه بغير التقوى .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" معناه : من كان عمله ناقصا لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال ، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل " انتهى من " شرح مسلم " (17/22-23)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أنه لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم ، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش...وأما ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ، ومدح الله عز وجل للشخص المعين وكرامته عند الله تعالى ، فهذا لا يؤثر فيه النسب ، وإنما يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح ، وهو التقوى ، كما قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وفي الصحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الناس أكرم ؟ فقال : أتقاهم )
ولهذا أثنى الله في القرآن على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وأخبر أنه رضي عنهم ، كما أثنى على المؤمنين عموما .
فكون الرجل مؤمنا وصف استحق به المدح والثواب عند الله ، وأما نفس القرابة فلم يعلق بها ثوابا ولا عقابا ، ولا مدح أحدا بمجرد ذلك .
وهذا لا ينافي ما ذكرناه من أن بعض الأجناس والقبائل أفضل من بعض ، فإن هذا التفضيل معناه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة كان معدن الذهب خيرا ؛ لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه ، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا ، كان ما يخرج الفضة أفضل منه .
فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول ، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل ، كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء ، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى ، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم .
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب ، دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا ، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى ، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى ، فكلا القولين خطأ ، وهما متقابلان ، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة ، وفضيلة لأجل المظنة والسبب ، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية ; فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة ، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد ، والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله ، والثواب من الله يقع على هذا ، لأن الحقيقة قد وجدت ، فلم يعلق الحكم بالمظنة ، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فلا يستدل بالأسباب والعلامات .
فالاعتبار العام هو التقوى ، فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا ، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل ، سواء كانا أو أحدهما غنيين أو فقيرين ، أو أحدهما غنيا والآخر فقيرا ، وسواء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين ، أو قرشيين أو هاشميين ، أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر " انتهى باختصار من " منهاج السنة " (4/599-608)
وينظر : "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/308-310) ، " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، للشيخ الألباني رحمها الله (7/645) .
والحاصل مما سبق :
أنه لا حرج عليك في بغض أهل الأخلاق السيئة وإن انتسبوا إلى آل بيت النبي صلى الله
عليه وسلم ، فمعقد المحبة والبغض والولاء والبراء هو الإيمان والتقوى ، وليس
الأنساب والأحساب .
ولكننا نوصي دائما جميع المسلمين أن يقابلوا الإساءة بالإحسان ، وأن يصفحوا ويغفروا
ويتجاوزوا لعل الله يتجاوز عنا وعنهم أجمعين .
والله أعلم .
تعليق