الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل تشترط العدة لتجديد عقد الزواج الباطل ؟

200034

تاريخ النشر : 21-02-2021

المشاهدات : 13494

السؤال

اعتنقت الإسلام منذ ثمان سنين. ثم تزوجت بامرأة هندوسية على الطريقة الهندوسية بعد إسلامي بخمس سنين، وبقينا على تلك الحالة لمدة عامين ، ثم اعتنقتِ الإسلام، فذهبنا إلى المسجد وأجرينا عقد نكاح جديد بحضور أربعة من المسلمين، ولم نراعِ العدّه، إلا أنها لم تكن حاملاً.

فهل علاقتا الزوجية هذه حلال؟ وهل سيكون ابني منها ابناً شرعياً؟ أم إنه يجب علي إعادة النكاح من جديد في كل هذا؟

ملخص الجواب

إذا كنت تعتقد حل زواجك الأول بها : فقد أحسنت بتجديد عقد النكاح ، ولا يلزمك شيء سوى ذلك ، ولا يلزم أن تفصل بين النكاحين بعدة ، أو استبراء للرحم . وإذا كنت تعتقد تحريم هذا النكاح ، وخالفته : فالواجب عليك ـ أولا ـ أن تتوب إلى الله تعالى من هذه المخالفة ، ثم تعيد العقد عليها من جديد ، والأحوط أن يكون هذ العقد بعد أن تمسك عنها ، وتحيض هي حيضة ، تتأكد من براءة رحمها من الحمل ، بالنكاح الأول . فإذا كان هذا هو ما حصل ، وتأكدت من عدم حملها ، كما قلت : فلا يلزمك شيء آخر ، إن شاء الله . فإن كنت جددت العقد ، قبل هذا الاستبراء ، فأعد تجديده الآن ، ولا حرج عليك في ولدك من العقد الجديد ، بل هو ينسب إليك ، ولو لم تكن قد استبرأتها .

الحمد لله.

بداية نهنئكما على نعمة الله عليكما بالإسلام ، وعلى أن هداكما إلى طريقه المستقيم ؛ طريق السعادة في الدارين ، ونسأل الله لنا ولكم الثبات على الإسلام حتى نلقاه وهو راض عنا .

أما بخصوص سؤالكم

أولا :

لا يجوز الزواج من الهندوس 

الهندوس من جملة الكفار المشركين ، الذين يحرم الزواج منهم بالإجماع ؛ لقول الله تعالى:

{وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} البقرة (221).

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية : " هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان " انتهى .

وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}  الممتحنة (10).

قال ابن كثير  في تفسيرها : " تحريم من اللَّه عَزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن " انتهى .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : " وسائر الكفار ، غير أهل الكتاب ، كمن عبد ما استحسن من الأصنام  والأحجار  والشجر والحيوان ، فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم " انتهى. "المغني" ( 9/548).

وقد أحسنت فيما فعلته من إعادة عقدك للنكاح عليها من جديد بعد إسلامها ، فهو الصواب .

ثانيا :

هل تشترط العدة من النكاح الباطل السابق؟

بالنسبة لإعادة عقد الزواج بعد إسلامها ، هل تشترط له العدة من النكاح السابق الباطل ؟

هذا فيه تفصيل ؛ لأن زواجك بها ، قبل إسلامها ، يحتمل أمرين :

الأول: أنك كنت تعتقد صحة زواجك بالمشركة على الطريقة الهندوسية ؛ جهلا منك بالحكم الشرعي ، ففي هذه الحالة  يكفي تجديدك للعقد فقط ؛ لأن زواجك السابق منها ، وإن كان باطلا في نفس الأمر ، ويجب تجديد العقد ، إلا أنه كالصحيح في ثبوت النسب ، فلو أنجبت منه أولادا ، فإنهم ينسبون إليك شرعا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ : إذا وطئ فيه ؛ فإنه يلحقه فيه ولده ، ويتوارثان ؛ باتفاق المسلمين ، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين " انتهى . "مجموع الفتاوى" (34 / 13)

فعلى هذا الاحتمال الأول ، لا حاجة للعدة ، لأنّ نسب الولد بينكما ، يثبت لك ، من قبل تجديد العقد ، والحكمة من العدة : صيانة الأنساب من الاختلاط .

قال ابن قدامة – رحمه الله - في "المغني" (11/239 ) :

" وقال الشافعي في الجديد : له نكاحها ( لمن تزوج امرأة في عدتها من زوج سابق ، جهلا ) بعد قضاء عدة الأول ، ولا يُمنع من نكاحها في عدتها منه ؛ لأنه وطء يلحق به النسب ، فلا يمنع من نكاحها في عدتها منه ، كالوطء في النكاح ، ولأن العدة إنما شرعت حفظا للنسب ، وصيانة للماء ، والنسب لاحق به ههنا ، فأشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها ، وهذا حسن موافق للنظر " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - :

" وقد سبق في المحرمات في النكاح أن المعتدة من شخص ، والمستبرئة منه، إذا كان اعتدادها من وطء يلحق فيه النسب بالواطئ : فإنها تحل له " انتهى . " الشرح الممتع " ( 13/386 ).

الثاني : أنك كنت تعلم تحريم مثل هذا النكاح في الشرع ، لكن لم تلتزم به ، ففي هذه الحالة الزواج الأول باطل ، وهو تعد لحدود الله ، وعليك بالتوبة إلى الله تعالى .

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :

" فأما الأنكحة الباطلة، كنكاح المرأة الْمُزَوَّجَةِ ، أو المعتدة، وشبهه ، فإذا علما الحال والتحريم، فهما زانيان، وعليهما الحدُّ ، ولا يلحق النَّسب فيه " انتهى ."المغني " ( 9/354 ) .

وفي هذه الحالة في لزوم العدة ، إذا لم تكن حاملا خلاف بين العلماء .

فمذهب الشافعية وبعض الحنفية : عدم وجوبها مطلقا في هذه الحالة .

وعللوا ذلك : أن  الماء الحرام لا حرمة له .

قال ابن الهمام – رحمه الله - :

" ( والمنكوحة نكاحا فاسدا ) وهي المنكوحة بغير شهود ، ونكاح امرأة الغير ، ولا علم للزوج الثاني بأنها متزوجة .

فإن كان يعلم : لا تجب العدة بالدخول ، حتى لا يحرم على الزوج وطؤها ، لأنه زنا ، وإذا زنى بامرأة ، حل لزوجها وطؤها ، وبه يفتى ، كذا في الذخيرة  " انتهى . " شرح فتح القدير "  ( 4/288 ).

وفي " تكملة المجموع شرح المهذب " ( 17/348-349 ) :

" إذا زنت المرأة : لم يجب عليها العدة، سواء كانت حائلا أو حاملا، فإن كانت حائلا : جاز للزاني ولغيره عقد النكاح عليها ، وإن حملت من الزنا ، فيكره نكاحها قبل وضع الحمل " انتهى.

ومذهب المالكية والحنابلة وبعض الحنفية : وجوب العدة من النكاح الباطل ، وسماها بعضهم استبراء ؛ للتعرف على براءة الرَّحم من الحمل حتى لا تختلط الأنساب ، وحتى لا يخلط الحلال بالحرام .

ففي " جواهر الإكليل شرح مختصر خليل " (1/386) :

" (ووجب)على الحرة ، زوجة كانت أو أيما ، (إن وطئت بزنا ، أو) وطئت بـ (شبهة) لنكاح ، كغلط ، أو عقد فاسد مجمع على فساده ، بنسب أو رضاع أو صهر ، أو خامسة ، فيجب عليها في هذه الأمور : أن تمكث قدر عدتها ...لكن هذا استبراء ، لا عدة ... ( ولا يعقد ) أحد نكاحه عليها ، إن كانت أيما ، زمن استبرائها " انتهى .

وفي " مطالب أولي النهى " (5/559 ) :

" (وَلَا عِدَّةَ فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ) مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ ، كَمُعْتَدَّةٍ ، وَخَامِسَةٍ (إلَّا بِوَطْءٍ) ، لِأَنَّ وُجُودَ صُورَتِهِ كَعَدَمِهَا، فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْ الْعِدَّةُ ، كَالزَّانِيَةِ " انتهى .

قال ابن قدامة – رحمه الله - في "المغني" ( 11/240) :

" وكل معتدة من غير النكاح الصحيح ، كالزانية ، والموطوءة بشبهة ، أو في نكاح فاسد ، فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره ، والأولى حِلُّ نكاحها لمن هي معتدة منه ، إن كان يلحقه نسب ولدها ، لأن العدة لحفظ مائه ، وصيانة نسبه ، ولا يصان ماؤه المحرم عن مائه المحترم ، ولا يحفظ نسبه عنه ، ولذلك أبيح للمختلعة نكاح من خالعها .

ومن لا يلحقه نسبُ ولدها كالزانية : لا يحل له نكاحها ؛ لأن نكاحها يفضي إلى اشتباه النسب ، فالواطئ كغيره ، في أن الولد لا يلحق نسبه بواحد منهما " انتهى .

ومن العلماء من قال يكفي الاستبراء بحيضة واحدة فقط ، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمهما الله تعالى؛ للتأكد من خلو الرّحم من الحمل .

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى - في كتابه " الشرح الممتع " : " وأما العقد الباطل فإنها على القول الصحيح لا تعتد كمطلقة؛ لأن العقد الباطل وجوده كعدمه، ولا يؤثر شيئاً، والفرق بين العقد الباطل والفاسد، أن الباطل ما اتفق العلماء على فساده، والفاسد ما اختلفوا فيه.

واختار شيخ الإسلام- رحمه الله- في هذا كله أنه لا عدة، وإنما هو استبراء، وهو القول الراجح؛ لأن الله تعالى إنما أوجب ثلاث حيض على المطلقات من أزواجهن، وعليه فلا عدة بالقروء الثلاثة إلا للمطلَّقة فقط " انتهى. "الشرح الممتع" (13/382-383 ).

والحاصل :

أنك إذا كنت تعتقد حل زواجك الأول بها : فقد أحسنت بتجديد عقد النكاح ، ولا يلزمك شيء سوى ذلك ، ولا يلزم أن تفصل بين النكاحين بعدة ، أو استبراء للرحم .

 

وإذا كنت تعتقد تحريم هذا النكاح ، وخالفته : فالواجب عليك ـ أولا ـ أن تتوب إلى الله تعالى من هذه المخالفة ، ثم تعيد العقد عليها من جديد ، والأحوط أن يكون هذ العقد بعد أن تمسك عنها ، وتحيض هي حيضة ، تتأكد من براءة رحمها من الحمل ، بالنكاح الأول .

فإذا كان هذا هو ما حصل ، وتأكدت من عدم حملها ، كما قلت : فلا يلزمك شيء آخر ، إن شاء الله .

فإن كنت جددت العقد ، قبل هذا الاستبراء ، فأعد تجديده الآن ، ولا حرج عليك في ولدك من العقد الجديد ، بل هو ينسب إليك ، ولو لم تكن قد استبرأتها .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب