الحمد لله.
الواجب على المسلم الصدق في جميع شأنه ، والوفاء بالشروط التي تعاقد عليها ، ووعد بالالتزام بها ، فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة/1، وقال سبحانه وتعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/34 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ) رواه الترمذي (1352) وقال حسن صحيح . وصححه النووي في " المجموع " (9/376) .
ولهذا كان الواجب عليك الالتزام بإخبار الجهة المانحة عن إتمامك دراستك في الوقت القياسي ، وذلك في حالة اشتراط الجهة المانحة هذا الشرط عليك ، أو كان عرفهم العام المستقر : أن تلتزم بإخبارهم حال انتهاء دراستك ، وهو الغالب المعمول به . ولا يسوغ ما فعلت أنك اجتهدت في دراستك فأنهيتها في وقت مبكر ، فالقضية ليست راجعة إلى ما تسلكه وتتمه ، بل إلى نظام المنح والابتعاث الذي التزمت به ، فالواجب عليك الالتزام بما فيه من الشروط .
أما إذا لم تشترط الجهة المانحة ذلك عليك ، ولم يكن لها عرف مستقر بذلك ؛ بل منحتك المال لنفسك لتنتهي من دراستك في الوقت الذي تشاء ، وتستمر في المكث إلى حين انتهاء المنحة ، فلا حرج عليك حينئذ في الاستمرار في إقامتك هناك ، وإكمالك مشوار الدراسة ومرحلة الدكتوراة ، بل ذلك علامة على جدك واجتهادك ، بشرط أن يكون ذلك متاحا في نظام المنح والابتعاث الذي حصلت فيه على المنحة وفقا لبنوده ومواده .
فإذا كانت المخالفة هي الحاصلة فالواجب إرجاع المال إلى الجهة المانحة ، فقد أخذته منها بغير وجه حق ، بمخالفة شروطها ونظامها ، والمسلم مطالب بأداء الأمانة ، وعدم مقابلة التقصير بالتقصير والخداع ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه أبو داود (3534) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وأداء الأمانة يقتضي منك إرجاع المال إلى الخزينة العامة ، فإن شق ذلك عليك جاز لك التخلص منه بإنفاقه على المصالح العامة ، كبناء مسجد أو مستشفى أو مدرسة ونحو ذلك .
يقول النووي رحمه الله :
" قال الغزالي : إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه .. فينبغي أن يصرف في مصالح المسلمين العامة ، كالقناطر والربط والمساجد ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه . وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب ، وهو كما قالوه ، نقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف ( انظر مصنف ابن أبي شيبة 4/561) ، وعن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع ، لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر ، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين " انتهى من في " المجموع " (9/330 ) .
وغاية ما يحق لك أخذه من هذا المال : الحقوق الظاهرة المتفق عليها ، من التذاكر ، أو جهاز الحاسوب ونحو ذلك ، مما لم تأخذه ، وكان متفقا عليه صراحة ، أو استقر العرف بين الدارسين بالحصول عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (162369) .
والله أعلم .
تعليق