السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

لا حرج في الدعاء حال الاضطجاع على الجنب

211189

تاريخ النشر : 13-08-2014

المشاهدات : 61018

السؤال


ما حكم دعاء الله والرجل في فراشه مستلقيا ؟ فإنني أشعر بالخشوع أكثر مما أكون جالسا ، أو قائما لأنني أختفي عن أعين الناس ، ولا يراني أحد حتى أهل بيتي ، وأشعر أنني وحدي لا يرقبني إلا الله .

الجواب

الحمد لله.


لا نرى حرجا عليك في الدعاء مضطجعا أو مستلقيا إذا كان حالك كما ذكرت في السؤال من الخشوع وحسن الصلة بالله سبحانه وتعالى ، وذلك لأدلة عدة :
أولا :
قول الله عز وجل : ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) يونس/12.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" ( دعانا لجنبه ) أي : على جنبه مضطجعا . ( أو قاعدا أو قائما ) وإنما أراد جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات الثلاثة ، قال بعضهم : إنما بدأ بالمضطجع لأنه بالضر أشد في غالب الأمر ، فهو يدعو أكثر ، واجتهاده أشد ، ثم القاعد ، ثم القائم " .
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (8/317) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" وهذا إخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه إذا مسه ضر ، من مرض أو مصيبة اجتهد في الدعاء ، وسأل الله في جميع أحواله ، قائما وقاعدا ومضطجعا ، وألح في الدعاء ليكشف الله عنه ضره " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (359) .
ثانيا :
يقول الله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران/190-191 .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" ( وعلى جنوبهم ) ذكر تعالى ثلاث هيئات لا يخلو ابن آدم منها في غالب أمره ، فكأنها تحصر زمانه . ومن هذا المعنى قول عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) [رواه مسلم (373)] " .
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (4/310) .
ثالثا :
ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وهو على جنبه ، واضعا يده تحت رأسه ، كما روى الترمذي (3398) وصححه ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ - أَوْ تَبْعَثُ – عِبَادَكَ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ومثلها ما ورد في أذكار النوم ما يكون حال الاستلقاء والاضطجاع ، فقياس الدعاء المطلق عليها قياس صحيح ، بجامع أن الذكر والدعاء جنس واحد .
رابعا :
وردت بعض الآثار عن الصالحين في الدعاء حال الاضطجاع ، منها ما جاء عن مورِّق قال : " كان رجل يعملُ السَّيئات ، فخرج إلى البرية ، فجمع تراباً ، فاضطجع عليه مستلقياً ، فقال : ربِّ اغفر لي ذنوبي . فقال : إنَّ هذا ليعرِفُ أنَّ له رباً يغفِرُ ويُعذِّب ، فغفر له " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/408) .
خامسا :
ومن تحقق له صدق المسألة بين يدي الله حال اضطجاعه ، ووجد في قلبه رقة وإقبالا على الله ، مستشعرا خلوته بالله سبحانه ، أو مستشعرا ضجعة القبر حين لا يجد إلا عمله الصالح ، فمن القواعد الشرعية المهمة تقديم ما يتعلق بذات العبادة من حضور القلب والخشوع فيها ، على أي فضل متعلق بالهيئة أو الزمان والمكان ، ما دام الأمر كله في دائرة الجواز ؛ خاصة إذا لم يكن ذلك من شأنه الدائم ولا عادته اللازمة ، بل هو يدعو قائما ، وقاعدا ، وعلى جنبه ؛ فمتى احتاج الدعاء : دعا ، أيا كانت هيئته في قيام أو غيره ، ومتى تيسر له الدعاء : دعا .
لكن لا ينبغي للداعي أن يخص هذه الحالة بدعائه ، ولا أن يتقصد ذلك تقصدا كلما دعا ؛ فإن من آداب الدعاء المستحبة : استقبال الداعي للقبلة ، إذا دعا ، والانكسار بين يدي رب العالمين ، وكون الداعي في حال أقرب إلى الذلة والمسكنة ، والفقر والحاجة ، والضرورة إلى ما يدعو به .
يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله :
" ( وعلى جنوبهم ) إنما جعل الجنب مجرورا باللام ولم ينصب ، فيقال مثلا ( مضطجعا أو قاعدا أو قائما ) لتمثيل التمكن من حالة الراحة بذكر شق من جسده ؛ لأن ذلك أظهر في تمكنه... للدلالة على أنه يدعو الله في أندر الأحوال ملابسة للدعاء ، وهي حالة تطلب الراحة وملازمة السكون . ولذلك ابتدئ بذكر الجنب ، وأما زيادة قوله : ( أو قاعدا أو قائما ) فلقصد تعميم الأحوال وتكميلها ؛ لأن المقام مقام الإطناب لزيادة تمثيل الأحوال ، أي دعانا في سائر الأحوال لا يلهيه عن دعائنا شيء " انتهى من " التحرير والتنوير " (11/ 110) .
وينظر جواب السؤال رقم : (136521) .
سادسا :
سبق تقرير أن من آداب الدعاء المستحبة : أن يستقبل الداعي القبلة في دعائه ، وفي ذلك عدة أحاديث ، منها :
- ما رواه مسلم (1763) عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: " حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : ( اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ... " الحديث .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ في الدعاء ، ورفع اليدين فيه " انتهى .
- ومنها ما رواه البخاري (3960) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَعْبَةَ ، " فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ... " الحديث.
- ومنها ما رواه البخاري (6343) ، ومسلم (894) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا المُصَلَّى يَسْتَسْقِي ، فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ " .
وينظر جواب السؤال رقم : (36902) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب