الحمد لله.
المشروع في كل عبادة يعملها العبد أن ينوي بها وجه الله تعالى .
فإذا أراد بعبادته الدنيا ، ولم تخطر الآخرة له على بال : لم يصح عمله ، ولم يقبل منه .
أما إذا عمل العمل وأراد به حسنة الدنيا والآخرة ، فلا حرج عليه في ذلك .
انظر جواب السؤال رقم : (183713) .
فمن قرأ القرآن يقصد بذلك -
القصد الأول - وجه الله تعالى ، ثم جمع إلى ذلك إرادة الشفاء ، أو زوال الكرب ،
وغير ذلك من حسنات الدنيا : فلا حرج عليه .
ولو جمع القصود كلها في نيته ، كأن يقرأ القرآن يرجو به ثواب الآخرة ، وهداية القلب
، والعافية من المرض ، وزوال الكرب والهم ، فلا حرج عليه في ذلك .
أما أن يقصد بعمل الطاعات :
شيئا من مصالح الدنيا وثمرتها فقط ، غير ملتفت إلى ثواب الأخر ، وما في عمله من
المصالح الدينية : فهذا غير مشروع .
قال ابن كثير رحمه الله :
" مَنْ عَمِلَ صَالَحَا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا ، صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ تهجدا
بالليل ، لا يَعْمَلُهُ إِلَّا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا ، يَقُولُ اللَّهُ :
أُوَفِّيهِ الَّذِي الْتَمَسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَثَابَةِ ، وَحَبِطَ
عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ الْتِمَاسَ الدُّنْيَا ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (4/ 310-311) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات : يحولونها إلى فوائد دنيوية ؛ فمثلا
يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب ، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب
الوجبات ، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل ؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف
الإخلاص ، والغفلة عن إرادة الآخرة ، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم -
مثلا أنه سبب للتقوى ، فالفوائد الدينية هي الأصل ، والدنيوية ثانوية " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 209) .
وقد سئل الشيخ عبد الله
الغنيمان حفظه الله :
إذا عمل العامل عملاً ابتغى به ثواب الله تعالى في الدنيا ، مثل حصول طول العمر
بصلة الرحم ، وسعة الرزق ، ولم يرد ثواب الآخرة ، ولكنه أيضاً لم يرد ثواب
المخلوقين ، فهل يعد هنا من الشرك ، وهل له ثواب في الآخرة ؟
فأجاب :
" من عمل عملاً ، مما هو عبادة يراد به وجه الله ، وليست له رغبة في الآخرة ، وإنما
رغبته ومقصوده ونيته الدنيا ، فإن ذلك من الشرك .
يجب أن تكون أعماله مقصودة بها وجه الله ، ويريد بذلك رضاه والفوز بالجنة، وإذا كان
هناك شيء من أمور الدنيا فيجب أن يكون تبعاً ، فإذا كان تبعاً فلا يضره ؛ لأن الله
تعالى أخبرنا أن الصحابة الذين قاتلوا يوم أحد : كان منهم من يريد الدنيا ، ولكن
الباعث على القتال والخروج هو إعلاء كلمة الله ونصر دينه ، والدفاع عنه ، ولا يمنع
من هذا كونهم يريدون المغنم تبعا ، ليس مقصوداً في الأصل ، ولا هو الباعث على العمل
الصالح ، وإذا كان الإنسان يصل الرحم لأنه يمتثل أمر الله ، ويلاحظ مع هذا أنه يكون
فيه زيادة عمر : فلا بأس بهذا " انتهى .
http://www.saaid.net/leqa/23.htm?print_it=1
والحاصل :
أن المشروع في مثل هذه العبادات : أن يكون القصد الأول لصاحبها : إرادة الله والدار
الآخرة ، وفي معنى ذلك طلب الهداية والاستقامة ، ولا حرج على العبد أن يقصد مع ذلك
- تبعا - طلب الشفاء والعافية وزوال الكرب والهم وغير ذلك من حسنات الدنيا .
ثم إن من فعل ذلك : لا يحتاج أن يجعل لكل قراءة قصدا ، بل الصورة المذكورة : أن
يجعل قراءة هذا اليوم مثلا ، أو هذه الليلة بنية كذا، وقراءة الغد بنية كذا ،
وهكذا: لا يظهر لنا مشروعيتها ، ولا نعلم لها أصلا ، وإنما تكفيه نية واحدة ، يجمع
فيها جميع مطالبه ، إن شاء ، ولا حرج في تخصيص عمله ببعض المقاصد الشرعية الصحيحة ،
وتكون المقاصد الدنيوية الصحيحة : تبعا لها .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (128239) .
والله تعالى أعلم .
تعليق