الحمد لله.
أولا :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) رواه البخاري (33) ، ومسلم (59) .
الوعد : هو التعهد بفعل الخير في المستقبل ، كأن يقول الرجل لصاحبه : " أعدك بهدية " أو " أعدك بالذهاب معك إلى الدرس " ونحو ذلك .
قال موسى عليه السلام لقومه : ( يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) طه/ 86 .
قال مجاهد : " موعدي : عهدي ". انتهى من " تفسير الطبري " (18/351) .
قال في " عون المعبود " (12/ 289):
" ( وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ) أَيْ إِذَا وَعَدَ بِالْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ : لَمْ يَفِ بِذَلِكَ " انتهى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ فِي الْحَدِيثِ : الْوَعْدُ بِالْخَيْرِ ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَيُسْتَحَبُّ إِخْلَافُهُ ، وَقَدْ يَجِبُ ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِ إِنْفَاذِهِ مَفْسَدَةٌ " انتهى من " فتح الباري " (1/ 90) .
وانظر جواب السؤال رقم : (160964) .
وإخلاف الوعد : عدم الوفاء به عن عمد ، من غير عذر معتبر .
فإذا لم يف به لعذر ، مثل قيام مانع يمنعه من الوفاء ، أو عجزه عنه ، أو نحو ذلك :
فليس بمخلف وعده .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" خُلْفَ الْوَعْدِ لَا يَقْدَحُ ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ
مُقَارِنًا لِلْوَعْدِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَازِمًا ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ ،
أَوْ بَدَا لَهُ رَأْيٌ : فَهَذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ النِّفَاقِ ،
قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ " انتهى من " فتح الباري " (1/ 90) ، وينظر
: " كشف المشكل " لابن الجوزي (3/ 409) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" ( إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ) وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعِدَ
وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِوَعْدِهِ ، وَهَذَا أَشَّرُ الْخُلْفِ ، وَلَوْ
قَالَ: أَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لَا
يَفْعَلَ، كَانَ كَذِبًا وَخُلْفًا ، قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ .
الثَّانِي : أَنْ يَعِدَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ ،
فَيُخْلِفُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَهُ فِي الْخُلْفِ " انتهى من " جامع العلوم والحكم
" (2/ 482-483) .
ثانيا :
لا يرتبط الوعد بالقسم ، فقد يعد الرجل وعدا ، ولا يقسم عليه ، فإذا وعد وعدا وأقسم
عليه صار وعدا مؤكدا واجب الوفاء .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه ، وما رآه المؤمنون قبيحاً
فهو عند الله قبيح " انتهى من " إغاثة اللهفان " (2/ 47) .
واختلف العلماء في " الوفاء بالوعد " : هل هو واجب مطلقا ، ويحرم خلفه ، أو
مستحب ، ويكره خلفه .
قال النووي رحمه الله :
" أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده
، وهل ذلك واجبٌ ، أو مستحبّ ؟ فيه خلاف بينهم ، ذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة
والجمهورُ إلى أنه مستحبّ ، فلو تركه فاته الفضل ، وارتكب المكروه كراهة تنزيه
شديدة، ولكن لا يأثم .
وذهبَ جماعةٌ إلى أنه واجب ، قال الإِمامُ أبو بكر بن العربي المالكي : أجلُّ مَن
ذهبَ إلى هذا المذهب عمرُ بن عبد العزيز ، قال : وذهبتِ المالكية مذهباً ثالثاً :
أنه إن ارتبط الوعدُ بسبب كقوله : تزوّج ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا،
أو نحو ذلك ، وجب الوفاء ، وإن كان وعداً مُطلقاً، لم يجب.
واستدلّ مَن لم يوجبه بأنه في معنى الهبة ، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور،
وعند المالكية : تلزم قبل القبض " انتهى ، من " الأذكار" (ص 317) .
وينظر : "جامع العلوم والحكم" (2/ 485-486)
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (145700) .
والله تعالى أعلم .
تعليق