الحمد لله.
أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (113148) الكلام بالتفصيل عن السور المكية والمدنية ، والفرق بينها ، وخصائص كل منها .
وبينا أن الغالب في السور المكية : تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك ، مع قوة الحجة ، وكثرة الأدلة وتوافرها واستفاضتها لتقرير التوحيد .
ويمكن إجمال مميزات وخصائص
السور المكية فيما يلي :
- تأسيس العقيدة الإسلامية في النفوس بالدعوة إلى عبادة الله وحده والإيمان برسالة
محمد صلي الله عليه وسلم وباليوم الأخر ، وإبطال المعتقدات الوثنية الجاهلية وعباده
غير الله ، وإيراد الحجج والبراهين على ذلك .
- تشريع أصول كثير من العبادات والمعاملات والآداب والفضائل العامة .
- الاهتمام بتفصيل قصص الأنبياء والأمم السابقة ، وبيان ما دعا إليه الأنبياء
السابقون من عقائد ، ومواقف أممهم منهم ، وما نزل بالمكذبين من عذاب دنيوي جزاء
تكذبيهم .
- قصر السور والآيات ، مع قوة اللفظ وإيجاز العبارة وبلاغة المعنى ، ليناسب تحدي
أهل الفصاحة واللسان من كفار قريش والعرب .
ثانيا :
ذكر غير واحد من أهل العلم ترتيب نزول سور القرآن المكية ، وكذلك المدنية .
فقال مجد الدين الفيروز
آبادي رحمه الله :
" اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ ، ثمَّ
ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ ، ثمَّ سورة المزمِّل ، ثمَّ سورة المدَّثِّر ، ثمَّ
سورة تبَّت ، ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، ثم سَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الأَعْلَى ،
ثمَّ والليل إِذَا يغشى ، ثم وَالفَجْرِ ، ثم وَالضُّحَى ، ثمَّ أَلَمْ نَشْرَح ،
وَزعمت الشِّيعة أَنَّهما واحدَة ، ثمَّ وَالعَصْرِ ، ثم وَالعَادِيَّاتْ ، ثم
الكوثر ، ثم أَلهاكم ، ثم أَرأَيت ، (ثم الكافرون) ، ثمَّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
فَعَلَ ، ثم الفلق ، ثم الناس ، ثم قل هو الله أَحد ، ثمَّ وَالنَّجْم ، ثم عَبَس ،
ثم القَدر ، ثمَّ والشمس وَضُحَاهَا ، ثم البروج ، ثم وَالتِّينِ ، ثم لإِيلاَفِ ،
ثم القارعة ، ثم لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ، ثم ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ
لُّمَزَةٍ ، ثم وَالمُرْسِلاَتِ ، ثم ق والقرآن المجيد ، ثم لاَ أُقْسِمُ بهذا
البلد ، ثم والسماء والطارق ، ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَة ، ثم ص ، ثم الأَعراف ، ثم
قُلْ أُوْحِىَ ، ثم يس ، ثم الفرقان ، ثم الملائكة ، ثم مريم ، ثم طه ، ثم الواقعة
، ثم الشعراءُ ، ثم النمل ، ثم القَصَص ، ثم بني إِسرائيل ، ثم يونس ، ثم هود ، ثم
يوسف ، ثم الحِجْر ، ثم الأَنعام ، ثم الصَّافَّات ، ثم لقمان ، ثم سبأ ، (ثم
الزمر) ، ثم المؤمن ، ثم (حَم السجدة) ، ثم (حَم عسق) ، ثم الزخرف ، ثم الدُّخَان ،
ثم الجاثية ، ثم الأَحقاف ، ثم الذاريات ، ثم الغاشية ، ثم الكهف ، ثم النَّحل ، ثم
سورة نوح ، ثم سورة إِبراهيم ، ثم سورة الأَنبياءِ ، ثم قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُون ، ثم (الم السَّجدة) ، ثم الطور ، ثم (تبارك الملك) ، ثم الحاقَّة ،
ثم سأَل سائل ، ثم عَمَّ يَتَسَآءَلُون ، ثم النازعات ، ثم إِذَا السماء انفطرت ،
ثم إِذَا السماء انشقت ، ثم الرُّوم ، ثم العنكبوت ، ثم المطفِّفين .
فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة " انتهى من " بصائر ذوي التمييز " (1/98-99) .
وذكر هذا الترتيب بتمامه
الزركشي رحمه الله في " البرهان في علوم القرآن " (1/193-194) إلا أنه قال آخره بعد
ذكر سورة الروم :
" وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ ابن عباس :
الْعَنْكَبُوتِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ : الْمُؤْمِنُونَ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ .
فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّتِ
الرِّوَايَةُ مِنَ الثِّقَاتِ ، وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً " انتهى .
وهو ما نقله الماورديّ وأَبو القاسم النِّيسابوريّ في تفسيرهما ، كما في " البصائر
" (1/97) .
وانظر " الإتقان " للسيوطي (1/43) .
أما السور المدنية : فذكروا
أن أَوَّل ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران ،
ثم الأَحزاب ، ثم الممتحِنة ، ثم النساءُ ، ثم زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد
صلَّى الله عليه وسلم ، ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم هَلْ أتى عَلَى الإنسان ثم
الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إِذا جاءَ نصر الله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم
المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم
الصف ، ثم الفتح ، ثم التوبة ، ثم المائدة .
قال الفيروز آبادي رحمه الله :
" فهذه جملة ما نزل بالمدينة . ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها : قيل أُنزلت
بمكة ، وقيل بالمدينة ؛ وقيل بكلٍّ مرة " انتهى من " بصائر ذوي التمييز " (1/99) .
وروى أبو جعفر النحاس في "
الناسخ والمنسوخ " عن أبي عَمْرِو بْن الْعَلَاءِ ، قال : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ
تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنَ الْمَكِّيِّ فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ
جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلْنَ
بِالْمَدِينَةِ : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ .
وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّوَرِ مَدَنِيَّاتٌ . وَنَزَلَتْ بِمَكَّةَ : سُورَةُ
الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَيُوسُفَ وَالرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحِجْرِ
وَالنَّحْلِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ - وَسُورَة بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْحَجِّ - سِوَى
ثَلَاثِ آيَاتٍ : هَذَانِ خَصْمَانِ إِلَى تَمَامِ الَآيَاتِ الثَّلَاثِ
فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بالمدينة - وسورة المؤمنين وَالْفَرْقَانِ وَسُورَةُ
الشُّعَرَاءِ - سِوَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ أخراها نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ :
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ إِلَى آخِرِهَا - وَسُورَةُ النَّمْلِ
وَالْقَصَصِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ وَلُقْمَانَ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ
مِنْهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلامٌ إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ - وَسُورَةُ السَّجْدَةِ - سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ:
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ
الثَّلَاثِ - وَسُورَةُ سَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَيس وَالصَّافَّاتِ وَص وَالزَّمْرِ -
سِوَى ثَلَاثِ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا إِلَى تَمَامِ الثلاث آيات - والحواميم السبع وق والذاريات وَالطُّورُ
وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ وَالرَّحْمَنُ وَالْوَاقِعَةُ وَالصَّفُّ وَالتَّغَابُنُ -
إِلَّا آيَاتٌ مِنْ آخِرِهَا نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ - وَالْمُلْكُ وَن
وَالْحَاقَّةُ وَسَأَلَ وَسُورَةُ نُوحٍ وَالْجِنِّ وَالْمُزَّمِّلِ - إِلَّا
آيَتَيْنِ : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ - وَالْمُدَّثِّرِ إِلَى آخِرِ
الْقُرْآنِ ، إِلَّا إِذَا زُلْزِلَتِ وإذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَقُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ . وَنَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ
وَبَرَاءَةٍ وَالنُّورِ وَالْأَحْزَابِ وَسُورَةُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْحِ
وَالْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيدِ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى التَّحْرِيمِ " .
قال السيوطي رحمه الله :
" هَكَذَا أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، رِجَالُهُ كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ " انتهى من " الإتقان في
علوم القرآن " (1/39-40) .
وقد اختلف العلماء في سورتي الفلق والناس ، هل نزلتا بمكة أو المدينة ؟ على قولين ، وأصحهما : أنهما نزلتا بالمدينة ، يدل عليه حديث ابن عباس المتقدم آنفا .
قال ابن الجوزي رحمه الله في
تفسير سورة الفلق :
" فيها قولان : أحدهما : أنها مدنية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة
في آخرين .
والثاني : أنها مكية ، رواه كريب عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ،
وجابر . والأول أصح ، ويدل عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سحر وهو مع
عائشة ، فنزلت عليه المعوذتان " انتهى من " زاد المسير " (4/507) .
أما معرفة متى نزلت كل سورة على التحديد : فمتعذر ؛ لأنه لم يرد توقيف صحيح ، فيما نعلم ، بمثل ذلك .
والله أعلم .
تعليق