الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل معاوية هو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم في قتل عمار " تقتله الفئة الباغية"؟

221904

تاريخ النشر : 31-12-2014

المشاهدات : 180792

السؤال

هل صحيح بأن صحابة كراما كالزبير بن العوام وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم تركوا جيش معاوية بعد أن رأوا عمار بن ياسر عليه السلام يحارب ويقتل مع جيش علي؟ وآمنوا هم عندئذ بأن جيش معاوية هو الفئة الباغية أيضا؟ وبالنسبة الى سؤالكم رقم 201963، كيف يكون معاوية "مجتهدا" في سبيل الله وله أجر أو أجران أيضا كما أجبتم ، وقد وصف رسول الله نفسه جيشه بالبغي؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

قولك " هل صحيح بأن صحابة كرام كالزبير بن العوام وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم تركوا جيش معاوية بعد أن رأوا عمار بن ياسر عليه السلام يحارب ويقتل مع جيش علي؟ وآمنوا هم عندئذ بأن جيش معاوية هو الفئة الباغية أيضا؟ " .

أما الزبير بن العوام رضي الله عنه  ، فقد قتل أثناء انصرافه من معركة الجمل سنة ست وثلاثين هجرية ،  ومعاوية رضي الله عنه كانت معركته مع علي رضي الله عنه بعد ذلك في موقعة صفين  سنة سبع وثلاثين هجرية ، فعلى هذا الزبير رضي الله عنه لم يدرك جيش معاوية حتى يتركه .

وأما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : فقد شهد صفين في جيش معاوية ، إلا أنه لم يقاتل روى ابن سعد في الطبقات الكبرى 5/87-88 بسنده عن ابن أبي مُلَيْكَةَ قال : قال عبد الله بن عمرو : ( مالي ولصفِّين ، مالي ولقتال المسلمين  ، لوددت أني مت قبله بعشر سنين ، أما والله ـ على ذلك ـ ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم .)

وعن حنظلة بن خُوَيْلد العنزي قال : ( بينما أنا عند معاوية ، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار ، يقول كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبد الله بن عمرو : لِيَطب به أحدكما نفسا لصاحبه ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقتله الفئة الباغية  ، قال معاوية : فما بالك معنا ؟! قال : إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أطع أباك مادام حيا ولا تعصه ، فأنا معكم ، ولست أقاتل !! ) .

رواه الإمام أحمد في مسنده ( 6538 ) ( 10 / 37- 38 – 39 ) وصححه أحمد شاكر رحمه الله تعالى .

هذا ما يتعلق بهذين الصحابيين ، لكن هناك من الصحابة من التحق بجيش علي رضي الله عنه ورأى أن الحق معه  كعمار بن ياسر نفسه ، وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهما وغيرهما.

ثانيا :

قولك (وبالنسبة إلى سؤالكم رقم 201963، كيف يكون معاوية "مجتهدا" في سبيل الله و له أجر أو أجران أيضا كما أجبتم ، وقد وصف رسول الله نفسه جيشه بالبغي؟ )

فيقال في جوابه : هنا عدة نقاط :

أ- لم يرد في الحديث نصا أن جيش معاوية باغ ، لكن لفظ الحديث هكذا روى البخاري ( 447 ) بسنده عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ : انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ . فَانْطَلَقْنَا ، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا ، حَتَّى أَتَى على  ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ : : ( كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً ، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ : وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ . قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " ثم ( إن عمارا تقتله الفئة الباغية ) ليس نصا في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه ؛ بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته ، وهي طائفة من العسكر ، ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها . ومن المعلوم أنه كان في المعسكر من لم يرض بقتل عمار : كعبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ؛ بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار ، حتى معاوية ، وعمرو " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 35 / 77 ) .

ب- البغي لا يخرج صاحبه عن دائرة الإيمان بنص القرآن الكريم قال الله تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات ( 9-10 ) فسمّاهم مؤمنين وجعلهم إخوة ، مع  وجود الاقتتال والبغي .

قال زياد بن الحارث : " كنت الى جانب عمار بن ياسر بصفِّينَ ، وركبتي تمس ركبته . فقال رجل : كفر أهل الشام . فقال عمار: لا تقولوا ذلك ؛ نبينا ونبيهم واحد ، وقبلتنا وقبلتهم واحدة ؛ ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق ، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا اليه "  رواه ابن أبي شيبة   (37841 ).

وعند محمد بن نصر بسنده عن مكحول : " أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ماهم ؟ قال : هم مؤمنون ". " منهاج السنة " ( 5/245 ).

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ:  ( ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رواه البخاري (3746) . والصلح الذي قام به الحسن رضي الله عنه كان بين أصحابه وأصحاب أبيه علي رضي الله عنه ، وأصحاب معاوية ، فيكون هذا الحديث نصا في إثبات الإسلام للطائفتين .

والحاصل : أن البغي المذكور هنا : ذنب كباقي الذنوب ؛ قد يصدر من المسلم من غير تأوّل ؛ فيكون إثما ، وقد يصدر منه على سبيل التأوّل والاجتهاد ، غير قاصد للبغي ، إذا كان من أهل الاجتهاد ، كالصحابة رضوان الله عليهم ؛ فيكون معذورا إن شاء الله تعالى ، ومعاوية رضي الله عنه ومن معه كانوا مجتهدين في قتالهم لعلي رضي الله عنه .

فمعاوية كان ولي دم عثمان ، فكان يطالب بالقصاص من قتلته الذين التحقوا بجيش علي رضي الله عنه ،

وقد جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية ، وقالوا : " أنت تنازع عليا ، أم أنت مثلُه ؟ فقال: لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني ، وأحق بالأمر مني ، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمه ،  والطالب بدمه ؟ فائتوه ، فقولوا له ، فليدفع إلي قتلة عثمان ، وأسلم له . فأتوا عليا ، فكلموه ، فلم يدفعهم إليه" " سير أعلام النبلاء " ( 3/ 140 ).

ودخل أبو الدرداء وأبو أمامة رضي الله عنهما على معاوية : فقالا له: " يا معاوية ، علام تقاتل هذا الرجل ؟ فو الله إنه لأقدم منك ومن أبيك سِلْماً ، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحق بهذا الأمر منك ؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنه أوى قتلته ، فاذهبا إليه فقولا له فليُقِدنا من قتلة عثمان ، ثم أنا أول من يبايعه من أهل الشام " انتهى . " البداية والنهاية" ( 10/508 ) .

فمعاوية رضي الله عنه ومن معه كانوا يعتقدون أن جيش علي رضي الله عنه فيه قتلة ، فهم يقاتلونهم دفعا لصيالهم عليهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية  : " لما رأى علي رضي الله عنه وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته ، إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد ، وأنهم خارجون عن طاعته يمتنعون عن هذا الواجب ، وهم أهل شوكة ، رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب ، فتحصل الطاعة والجماعة .

وهم –أي معاوية وأصحابه - قالوا: إن ذلك لا يجب عليهم ، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين ، قالوا: لأن عثمان قتل مظلوما باتفاق المسلمين ، وقتلته في عسكر علي ، وهم غالبون لهم شوكة ، فإذا امتنعنا ، ظلمونا واعتدوا علينا . وعلي لا يمكنه دفعهم ، كما لم يمكنه الدفع عن عثمان ؛ وإنما علينا أن نبايع خليفة يقدر على أن ينصفنا ، ويبذل لنا الإنصاف " انتهى من "مجموع الفتاوى " ( 35 / 72-73 ) .

وقال أيضا "... لكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فيه ظلمة – يعني قتلة عثمان -  يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان ، وأنهم يقاتلونهم دفعا لصيالهم عليهم  .... " انتهى من " منهاج السنة " ( 4/ 383).

وبسبب هذا الالتباس الحاصل : اعتزل عدد كبير من الصحابة القتال ، ولم يقاتلوا لا مع علي رضي الله عنه ولا مع معاوية رضي الله عنه ، منهم كبار الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم .

قال محمد بن سيرين، قال:" هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ، فما حضر فيها مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين " . " السنة لأبي بكر الخلال " ( 2/466 ) رقم الأثر ( 728 ) .

وهذا  كله يوضح أن الأمر كان اجتهادا .

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : " واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد – يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار - ، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، وتأويل قتالهم ، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ، ولا محض الدنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ، ومخالفه باغ ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله ، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ ، لأنه لاجتهادٍ ، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه " انتهى من " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج " ( 18/11).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب