الحمد لله.
أولا :
قول الزوج لزوجته : ( عايزة تِتْطَلَّقِى إِتْطَلَّقِى ) ، ليس صريحا في : تفويض الطلاق إليها ، أو تعليقه على مشيئتها ؛ أنها متى شاءت الطلاق ، طلقت نفسها ؛ بل هو محتمل لذلك المقصد ، ويحتمل غيره أيضا ؛ فإن كلمة " إِتْطَلَّقِى " : ليست صريحة في إنشاء الطلاق ، لأمرين :
الأول : أن الناس ما زالوا يخبرون عن المرأة التي طلقها زوجها بأنها : " إِتْطَلَّقِتْ منّه " ، بمعنى أنه : طلَّقها ، فتطلقت منه ، أي : طلقت منه ، بتعبير الفقهاء العربي ، وهذا هو ما يعرف في اللغة بمصطلح : "المطاوعة" ؛ وهو أحد المعاني التي تدور عليها مادة " تَفَعَّل" في اللغة العربية أيضا .
قال السيوطي رحمه الله :
"(وَتَفَعَّل) وَهُوَ (لمطاوعة فَعَّل) ككسرته فتكسر ، وعلمته فتعلم .... " ، "همع الهوامع" (3/305) . وينظر : "شرح الشافية" ، للرضي (1/104) وما بعدها .
الثاني :
أن قول الزوج : " إِتْطَلَّقِى " : هو فعل أمر ، بحسب صيغته في العربية ، وقد ذهب فقهاء الحنابلة ، ومن وافقهم إلى أن فعل الأمر ، ليس من صيغ الطلاق الصريحة ، حتى ولو كان مشتقا من لفظ "طلق" .
قال المرداوي رحمه الله :
" الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُضَارِعِ، وَلَا بِالْأَمْرِ. لِأَنَّ الْأَوَّلَ: وَعْدٌ. وَالثَّانِي: لَا يَصْلُحُ لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا هُوَ خَبَرٌ." "الإنصاف" (7/396) ، وينظر أيضا : (8/465) ، "الفروع" لابن مفلح (9/28) ، " الشرح الممتع" (13/62) .
وهذا هو مذهب الأحناف أيضا ، خلافا للمالكية والشافعية . ينظر : "الموسوعة الفقهية" (28/155) .
وعلى ذلك : فهذا اللفظ كناية عن التفويض في الطلاق ، أو التخيير فيه ؛ يتوقف على نية الزوج ، كسائر الكنايات .
ينظر : "الكافي" لابن قدامة (3/118) وما بعدها ، كشاف القناع" للبهوتي (5/256) .
فإذا كان الأمر ، على ما ورد في السؤال : ( والزوج لا يعني بكلمة إِتْطَلَّقِى أن تطلق الزوجة نفسها ، بل يعني أن تَتَطَلَّق زوجته منه علي أنه هو الذي سيقوم بتطليقها ..) ؛ فالأمر على ما أراد ، وقد بقيت عصمة الطلاق في يد الزوج ، وليس للزوجة منها شيء ، ولم يصح منه توكيل لها فيه ، ولا تفويض به ؛ فلا تطلق منه بمجرد ذلك القول ، ولو كانت تريد الطلاق ، أو صرحت به ، أو طلقت نفسها فعلا ؛ فإنها لا تطلق بذلك كله ، لأنه لم يصح توكيله لها بذلك ، أو تفويضه إليها ؛ بل غاية الأمر أن يكون وعدا لها بأن يطلقها ، إذا رغبت هي في ذلك ، أو سعت إليه ؛ بل يحتمل أيضا أن يكون ذلك على وجه التعجيز منه لها ، أنها وإن تطلقت ، وسعت في ذلك ، فلن تَطْلُق !! لأنها لا تملك الطلاق ، وهو لن يوقعه عليها .
جاء في "الفتاوى الهندية" (1/402) :
"امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : تُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي ؟ فَقَالَ الزَّوْجُ : نَعَمْ .
فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : طَلَّقْت ؟
= إنْ كَانَ الزَّوْجُ نَوَى تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا : تَطْلُقُ وَاحِدَةً .
وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ : طَلِّقِي نَفْسَك إنْ اسْتَطَعْت ؛ لَا تَطْلُقُ." انتهى.
والحاصل :
أنه ما دام الزوج لم يرد تفويض الطلاق إلى المرأة بذلك : فالأمر باق في يده ، لم تملك منه الزوجة شيئا ، ولم تطلق هي بذلك ، ولا بتطليقها نفسها ، إن فعلت .
والله أعلم .
تعليق