الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حول ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني عن تشبيه شيخ الإسلام ابن تيمية نزول الله سبحانه في الثلث الأخير من الليل بنزول خلقه

224749

تاريخ النشر : 04-04-2015

المشاهدات : 67944

السؤال


ما صحة ما اتهم به شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله ابنُ حجَر في الدّرَر الكامنة صفحة 154: "فذكَروا أنه (ابن تيمية) ذكر حديث النّـزول، فنَـزل عن المنبر درَجتَين، فقال: كنُـزولي هذا، فنُسِب إلى التّجسيم". وهل صحيح أنّ هذا من كلام ابن حجر العسقلاني في حق ابن تيمية؟

الجواب

الحمد لله.


أولا: أخرج البخاري في صحيحه (1145) ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" .
وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوٌ من ثمانية وعشرين صحابياً ـ رضي الله عنهم . واتفق أهل السنة على تلقي ذلك بالقبول . وقد سبق الكلام على هذا الحديث وفق مذهب أهل السنة في الفتوى رقم (20081).

ثانيا: شيخ الإسلام ابن تيمية إمام كبير من أئمة الإسلام ، وعلم من أعلام الهدى ، وذلك باعتراف جماهير أئمة العلم والدين ، وقد سبق بيان جمع من أقوال العلماء ، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، في تزكية شيخ الإسلام ابن تيمية والثناء عليه فليراجع ذلك في الفتوى رقم (96323).

ثالثا: ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة) أن جماعة ذكروا أن ابن تيمية رحمه الله كان على المنبر ، فقال : إن الله جل شأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ، ثم نزل على درج المنبر درجتين .
وهذا نص كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1 / 180): " واتفق أن الشيخ نصر المنبجي كان قد تقدم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه [أي : يعتقد فيه العلم والفضيلة] ، فبلغه (أي الشيخ نصر المنبجي ) أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه (أي الشيخ نصر المنبجي ) كان يعتقد أنه (أي ابن عربي) مستقيم ، وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد : من قصور فهم من ينكر عليه ، فأرسل (أي ابن تيمية) ينكر عليه (أي على الشيخ نصر) ، وكتب إليه كتابا طويلا ، ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد ، فعظم ذلك عليهم وأعانه ( أي الشيخ نصر) عليه (على ابن تيمية) قوم آخرون ، ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة ، وقعت منه في مواعظه وفتاويه ، فذكروا أنه ذكر حديث النزول ، فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم" انتهى.

من هذا النقل نلاحظ أن الحافظ ابن حجر لم ينقل هذا الكلام عن ابن تيمية رحمه الله ، وإنما عن جماعة من خصومه لم يذكرهم ، هم الذين حكوا هذه الواقعة عن الشيخ ابن تيمية رحمه الله ، بل فيها أن هذه الكلمات : مغيرة ، يعني ـ والله أعلم ـ أن ناقلها عن شيخ الإسلام : لم يحرر لفظه .
والذي نقل هذا الكلام الباطل عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو الرحالة ابن بطوطة ، حيث قال في (رحلة ابن بطوطة/43) " وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته (أي ابن تيمية) يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم. فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر . فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلم به. فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته" انتهى.

وهذا الكلام من ابن بطوطة غير صحيح ، بل إن الدلائل والقرائن متعاضدة على إثبات كذب هذه الواقعة التي نقلها عن ابن تيمية رحمه الله .
ومن هذه الدلائل: أن ابن بطوطة دخل دمشق في التاسع من رمضان عام ستة وعشرين وسبعمائة ، فقد قال في رحلته ( وكان دخولي لبعلبك عشية النهار ، وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ، وصلت يوم الخميس ، التاسع من شهر رمضان المعظم ، عام ستةٍ وعشرين وسبع مئة إلى مدينة دمشق الشام ، فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابيشية ( انتهى.
وفي هذا التوقيت كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سجينا في سجن القلعة، وتوفي في محبسه ذلك ، فقد جاء في ذيل طبقات الحنابلة (4 / 525): "مكث الشيخ فِي القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إِلَى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين، ثُمَّ مرض بضعة وعشرين يوما، وَلَمْ يعلم أَكْثَر النَّاس بمرضه، وَلَمْ يفجأهم إلا موته" انتهى.

فكيف قابل ابن بطوطة شيخ الإسلام وسمع منه وهو في هذا الوقت كان سجينا؟ ويمكنك أيها السائل مراجعة هذا الرابط:
http://www.saaid.net/Minute/31.htm
ففيه تفنيد وقائع ما ذكره ابن بطوطة عن شيخ الإسلام ابن تيمية.

وفي النهاية ننبه على أن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مليئة بالعبارات والنقولات التي تثبت براءته - رحمه الله - من مذهب التشبيه والتمثيل ، بل مذهبه إثبات صفات الله جل وعلا : على ما يليق به سبحانه من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل .
ومن ذلك قوله في مجموع الفتاوى (3 / 217): "اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ حَقِيقَةً؛ لَكِنْ بِلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ" انتهى.
وقال رحمه الله وهو ينقل عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله جل وعلا : " الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ" انتهى من مجموع الفتاوى (3 / 162).
وقال أيضا في مجموع الفتاوى (5 / 195):" فَالْقَوْلُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي بَعْضٍ. وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ؛ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ. فَلَا يَجُوزُ نَفْيُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ؛ وَلَا يَجُوزُ تَمْثِيلُهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؛ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ" انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب