الحمد لله.
أولا :
إن كانت الطبيبة التي باشرت الولادة لم يحدث منها تفريط في العمل ، ولا إهمال في الاحتياط اللازم لنجاح العملية ، بل قامت بعملها كما ينبغي ، ولكن حدث ما حدث من هذه المضاعفات بمحض قدر الله سبحانه وتعالى : فحينئذ لا يلزمها شيء ، ولا يجوز لك أن تهددها بهذا المحضر لتأخذ منها هذا المال .
أما إن كان قد حدث منها
تفريط أو تعدٍّ أثناء إجراء عملية الولادة ، فإنها تكون ضامنة لكل ما يحدث من تلف
أو إصابة ، بسبب تفريطها ، سواء أكان التلف في الأم أو الجنين .
وقد سبق بيان ذلك بأدلته وأقوال العلماء في الفتوى رقم : (114047)
، و :(186025) .
وإذا ثبت أن الطبيب ضامن –
في واقعة معينة – فالمال المأخوذ منه في هذه الحالة حلال ، لأنه مأخوذ بحق .
هذا من حيث تأصيل متى يضمن الطبيب ، ومتى لا يضمن ، من الناحية الشرعية ؟
أما تطبيق هذا على واقعة معينة ، كالواقعة التي وردت في السؤال ، فذلك يحتاج إلى
السماع من الطرفين ، مع تقرير طبي محايد ، ثم بعد ذلك يكون الحكم : هل تضمن هذه
الطبيبة أم لا ؟
ثانيا :
اتفاقك مع هذه الطبيبة على أخذ مبلغ معين مقابل التنازل عن الدعوى : هذا يسميه
العلماء "الصلح على الإنكار" ، وذلك أن يدعي شخص على آخر حقا ، ثم يتفقان على
التنازل عن هذه الدعوى مقابل مبلغ يدفعه المدعَى عليه للمدعي .
وذلك جائز ، وفيه مصلحة لهما ، فالمدعي يوفر على نفسه الوقت والجهد ، وقد لا يمكنه
إقامة البينة على دعواه ، والمدعى عليه يوفر أيضا وقته وجهده ، ويخلص نفسه من
الحضور إلى المحكمة ..... إلخ . وقد نص العلماء على جواز ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله : "الصلح على الإنكار: "افتداء لنفسه من الدعوى واليمين،
وتكليف إقامة البينة ، وليس هذا مخالفًا لقواعد الشرع، بل حكمة الشرع، وأصوله،
وقواعده ، ومصالح المكلفين : تقتضي ذلك" انتهى من " إعلام الموقعين " (3/358) .
وقال ابن قاسم في "حاشيته على الروض المربع" (5/142) :
"ولأن المدعي مُلْجَأ إلى التأخير ، بتأخير حقه ؛ فصح له الصلح ، حيث إنه يأخذه
عوضًا عن حقه الذي يعتقد ثبوته .
والمدعى عليه : يعتقد أن لا حق عليه ، وإنما يدفع ما يدفعه افتداء ، [يعني حتى لا
يأتي إلى القاضي ويحلف على براءته ... ونحو ذلك] ، والشرع لا يمنع من ذلك " انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (9/240) :
"إذا قال شخص لآخر: أنا أطالبك بمائة ألف ريال ، فسكت ، فلم يقر ولم ينكر، أو أنكر
، وقال : ليس في ذمتي لك شيء ، ثم صالح بمال عوضا عن مائة ألف ، فهو صحيح ؛ لأن
الأصل الحل، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)
؛ فإن مفهومه : كل شرط في كتاب الله فهو حق، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الصلح
جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) ، وهذا لا يحل حراماً ، ولا
يحرم حلالاً فيجوز.
وكذلك : إذا جاء إليَّ شخص وقال: إن في ذمتك لي مائة درهم، فقلت: ليس لك عليَّ شيء،
فإنكاري هذا قد يكون عن علم ، أو عن نسيان ، وقد يكون عن جهل، أي: إني لا أدري هل
الذي يطلبني فلان أو فلان ، فهذا جهل .
فالمهم : أنه ادعى عليّ ، وأنكرتُ ، إما عن علم أو جهل أو نسيان ، مع ذلك قلت: ما
دمت تدعي عليَّ بهذا ، وأنا لا أقر به ، فلنجعل بيننا صلحاً، فأعطيك عن مائة الدرهم
خمسين درهماً فيجوز ، وينفذ الصلح ، ويلزم كل من الطرفين بما تم عليه الاتفاق "
انتهى بتصرف .
تعليق