الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل هناك علاقة بين القواعد الفقهية ومسائل العقيدة؟

230477

تاريخ النشر : 19-02-2017

المشاهدات : 16592

السؤال


هل هناك علاقة بين القواعد الفقهية والمسائل العقيدة ؟ وهل يجوز استعمال هؤلاء على المسائل العقيدة كما يستعمل بعض المفتيين ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
القواعد جمع قاعدة ، والقاعدة الفقهية : "حكم أغلبي ، يأتي تحته مسائل فقهية فرعية ، يُتَعَرَّف من خلاله على أحكام تلك المسائل" انتهى.
وهذا العلم علم عظيم له أهميته الكبرى عند المجتهدين، وفي ذلك يقول العلامة القرافي المالكي: "وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويَشْرُف ، ويظهر رونق الفقه ويُعرف ، وتتضح مناهج الفتاوى وتُكشف ، فيها تنافس العلماء ، وتفاضل الفضلاء، وبرَّز القارِح على الجَذَع ، وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يُخَرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية : تناقضت عليه الفروع واختلفت ، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى ، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ، ومن ضبط الفقه بقواعده : استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب ، وحصل طلبته في أقرب الأزمان ، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان ، فبين المقامين شأو بعيد ، وبين المنزلتين تفاوت شديد" انتهى من "الفروق " للقرافي (1 / 3).
ولا شك أن علم القواعد الفقهية علم مستقل عن علم العقيدة ، إذ إن موضوعهما مختلف، فإن علم العقيدة يختص بمسائل الإيمان والغيبيات، أما علم القواعد الفقهية : فيضع ضوابط وكليات للمسائل الفقهية ، التي تختص بالأحكام الشرعية العملية ، لا الاعتقادية .

ولكن لا ينكر أن يكون لبعض القواعد الفقهية اتصالٌ مَّا بعلم العقيدة ، وخصوصا أحكام الكفر والإيمان، وبيان ذلك فيما يلي:
من القواعد الفقهية الشهيرة قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) ، يقول ابن نجيم : " القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك ، ودليلها ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا "انتهى من "الأشباه والنظائر" لابن نجيم (1 / 48).
وهذه القاعدة لها اتصال بقضايا الكفر والإيمان، لأن من ثبت إيمانه بيقين ، فلا يحق لنا أن نخرجه عنه إلا بيقين أيضا، يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (9 / 88):
"يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي التَّكْفِيرِ مَا أَمْكَنَهُ ، لِعَظِيمِ خَطَرِهِ ، وَغَلَبَةِ عَدَمِ قَصْدِهِ ، سِيَّمَا مِنْ الْعَوَامّ وَمَا زَالَ أَئِمَّتُنَا عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، بِخِلَافِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ فَإِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا بِالْحُكْمِ بِمُكَفِّرَاتٍ كَثِيرَةٍ مَعَ قَبُولِهَا التَّأْوِيلَ ، بَلْ مَعَ تَبَادُرِهِ مِنْهَا . ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ عَمَّا تَوَسَّعَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّ غَالِبَهُ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِمْ ، وَكَانَ الْمُتَوَرِّعُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ يُنْكِرُونَ أَكْثَرَهَا وَيُخَالِفُونَهُمْ ، وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ بِالِاجْتِهَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، لِأَنَّهُ خِلَافُ عَقِيدَتِهِ ؛ إذْ مِنْهَا : أَنَّ مَعَنَا أَصْلًا مُحَقَّقًا، هُوَ الْإِيمَانُ ؛ فَلَا نَرْفَعُهُ إلَّا بِيَقِينٍ .
فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا ، وَلْيُحْذَرْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى التَّكْفِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ ، فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ مُسْلِمًا" انتهى.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: " لا شك أنه متى وجد الإيمان يقيناً ، فلا يزيله إلا ما ينافيه يقيناً، فلا يزول بالشك ، ولا بالظن ، استصحاباً للأصل السابق ، لما قارنه من اليقين ، وتقديماً له على الوصف اللاحق به ، لنزوله عن درجته، " انتهى من "التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" (1 / 196).
كذلك من القواعد الفقهية المتفق عليها قادة (الأمور بمقاصدها) . يقول السبكي في "الأشباه والنظائر" (1 / 54): " القاعدة الخامسة: الأمور بمقاصدها، وأرشق وأحسن من هذه العبارة: قول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات".

ولا شك أن لهذه القاعدة تطبيقات تختص بأمور الكفر والإيمان ، ولذا فإن من تلفظ بكلمة الكفر خطأ أو إكراها : لا يحكم بكفره ، لأنه لا يقصد الكفر، قال تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )الأحزاب/ 5، وقال تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/ 106.

كذلك فإن من القواعد الفقهية قاعدة ( المشقة تجلب التيسير) أو ( الضرورات تبيح المحظورات) وهذه أيضا لها اتصال بمسائل الكفر والإيمان، فإن من تلفظ بكلمة الكفر اضطرارا لا يحكم بكفره لقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/ 106.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب