الحمد لله.
إذا انعقدت اليمين من مسلم ، ثم ارتد عن الإسلام – عياذا بالله - ، وحنث حال ردته ، ثم عاد إلى الإسلام ، فهل تلزمه الكفارة على يمينه تلك ؟
المسألة خلافية بين أهل العلم رحمهم الله ، وهي مبنية على : هل اليمين تبطل بالردة ؟ بمعنى: أن الشخص إذا حلف على يمين منعقدة ، ثم ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام مرة أخرى ، فهل لو حنث ، سواء في ردته ، أو بعد إسلامه : تلزمه الكفارة ؟
أو يقال : إن حكم اليمين ارتفع بالردة ، فلا يطالب بالكفارة إذا حنث ؟ قولان للعلماء في المسألة.
القول الأول : أن الإسلام شرط لصحة انعقاد اليمين ، وبقائها .
وعليه : فلا تصح اليمين من الكافر .
كما أن من حلف ثم ارتد : فإن يمينه تبطل بردته ، فلا يُلزم بالكفارة ، ولو عاد بعد
ذلك إلى الإسلام .
وهذا هو المذهب عند الحنفية والمالكية .
جاء في " الشرح الصغير " للدردير رحمه الله (4/441) :
" وَأَسْقَطَتْ – يعني الردة - نَذْرًا ، وَيَمِينًا بِاَللَّهِ ، كَقَوْلِهِ :
وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا ، ثُمَّ كَلَّمَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ ، أَوْ
بَعْدَ إسْلَامِهِ ؛ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ " انتهى .
والقول الثاني : أنه لا يشترط لصحة اليمين ، أن يكون الحالف مسلماً ، بل تصح
اليمين حتى من الكافر ، كما أن اليمين لا تبطل بالردة ، فمن حلف ثم حنث في يمينه ،
سواء كان حنثه ذلك قبل الردة ، أو بعدها ، فإن الكفارة واجبة في ذمته ، يؤديها متى
رجع إلى الإسلام .
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
قال الماوردي رحمه الله ـ في " الحاوي الكبير " (15/607) ـ :
" يَمِينُ الْكَافِرِ مُنْعَقِدَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِنْثُ ، وَتَجِبُ بِهَا
الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ
إِسْلَامِهِ ، لَكِنَّهُ إِنْ كَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ كَفَّرَ : بِالْمَالِ
مِنْ إِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ عِتْقٍ ، وَلَمْ يُكَفِّرْ بِالصِّيَامِ فَإِنْ
أَسْلَمَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ كَالْمُسْلِمِ " .
وقال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (9/386) :
" وَتَصِحُّ الْيَمِينُ مِنْ الْكَافِرِ ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ
، سَوَاءٌ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ . وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، لأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " نَذَرَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَأَمَرَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ " ،
وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَسَمِ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : ( فَيُقْسِمَانِ
بِاللَّهِ ) .. " انتهى .
وينظر : " الموسوعة الفقهية " (7/266) .
وهذا القول الثاني هو الراجح ، قياسًا على النذر ، فكما صح النذر من الكافر ،
فكذلك اليمين.
وقد سبق في السؤال رقم : (210810) أن اليمين تصح من الكافر ، وتلزمه الكفارة إن حنث
.
وبناء على هذا ؛ فمن حلف ثم ارتد وحنث في يمينه ، ثم عاد إلى الإسلام : فعليه
الكفارة .
ومعنى : "عليه الكفارة " : أنها لازمة في ذمته ، غير أنها لا تصح منه في حال ردته .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/266) :
" وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ ، فَلَا يُكَفِّرُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ , لَا بِالْمَالِ
وَلَا بِالصَّوْمِ , بَلْ يَنْتَظِرُ , فَإِذَا أَسْلَمَ كَفَّرَ" انتهى .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (45676) بيان كفارة اليمين بالتفصيل .
والله أعلم .
تعليق