الحمد لله.
إذا تزوج الرجل على أن تسقط المرأة حقها في القسم أو المبيت : فهذا محل خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى .
فمنهم من أبطل هذا الشرط وألغاه ، وهو مذهب المالكية والشافعية .
انظر : " الشرح الكبير " (2/238) ، "روضة الطالبين" (7/265) .
ومنهم من صحح الشرط ، ولكنه جعله غير لازم للمرأة ، فأجاز لها الرجوع والمطالبة بحقها في القسم ، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/487) :
"وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لَيْلَةً ، ثُمَّ رَجَعَتْ وَقَالَتْ : لَا أَرْضَى إلَّا لَيْلَةً وَلَيْلَةً ، فَقَالَ : لَهَا أَنْ تَنْزِلَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ قَالَتْ : لَا أَرْضَى إلَّا بِالْمُقَاسَمَةِ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَهَا ، تُطَالِبُهُ إنْ شَاءَتْ .
وَنَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهَا أَنْ يَأْتِيَهَا فِي الْأَيَّامِ : يَجُوزُ الشَّرْطُ ، فَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ .
وَقَالَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي هَذَا الشَّرْطِ " انتهى .
واختار شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله أن الشرط صحيح ولازم للمرأة ، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما
نقله عنه ابن قدامة رحمه الله ثم قال :
" قلت الكلام في شيئين: أحدهما في صحة هذا الشرط ولزومه ، وقد أجاب أحمد في موضع
بأنه غير لازم ، ولكنه في رواية الأثرم لما قيل له : أرأيت هذا الشرط في عقد النكاح
؟ أمسك عن جواب هذه المسألة ، وقال : أما إذا قاله لها بعد النكاح فلها أن ترجع.
وهذا الإمساك والوقوف عن الجواب يخرج مثله على وجهين.
والمذهب المنصوص : أن الزوج متى اشترط ترك حقه الثابت بمطلق العقد ، كتحويلها من
دارها والسفر بها : كان شرطًا لازمًا .
وكذلك إذا شرط ترك ما يستحقه ، وهو التزوج والتسري عليها .
فإذا كان إذا شرطت عليه ترك بعض ما يستحقه عند الإطلاق ، لغرض صحيح لها في ذلك :
لَزِم ؛ فكذلك إذا شرط عليها مثل ذلك" انتهى من "العقود" (ص208-211) وينظر أيضا :
(ص213) .
وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله في تقرير أن الأصل في العقود والشروط أنها صحيحة
لازمة ، وذلك في كتابه : " القواعد النورانية " (ص264-310) .
وقد رجَّح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ما اختاره شيخ الإسلام ، فقال في "الشرح
الممتع" (12/191) : "رجل تزوج امرأة على امرأة سابقة ، وهي الضرة، وسميت ضرة لكثرة
المضارة بينها وبين الزوجة الأخرى في الغالب ؛ فإذا شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها،
فالمذهب : لا يصح .
والصحيح : أنه يصح، فإذا قال: أنا عندي زوجة سأعطيها يومين ، وأنت يوماً، فرضيت
بذلك: فلا مانع، فهذه سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ وهبت يومها لعائشة ـ رضي
الله عنها ـ فأقرها النبي ـ عليه الصلاة والسلام" انتهى .
تعليق