الحمد لله.
أولا:
للأم حق عظيم على أولادها في البر والإحسان والصلة ، ولها أن تأخذ من مال ولدها بشروط سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (178729) .
ومن هذه الشروط : أن تكون بحاجة إلى المال ، فإن لم تكن بحاجة ، فليس لها أن تأخذ من مال ولدها بغير رضاه .
وقد روى الحاكم (3123) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولادكم هبة الله لكم [يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] فهم وأموالهم لكم ، إذا احتجتم إليها ) . صححه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ( 2564 ) ، وقال :
"وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة ، وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) ليس على إطلاقه ، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء ، كلا ، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه . والله أعلم" انتهى .
ثانيا:
قول الأم إن لها نصيبا في البيت أكثر منك ، الظاهر أنها تريد بها حال الإرث ، فإن الأم تأخذ سدس تركة ابنها إذا كان له ولد (ابن أو بنت)، والزوجة تأخذ الثمن، والسدس أكثر من الثمن.
قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11
وقال: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12 .
لكن الكلام في الإرث كلام في الغيب ، فلا يدري أحد من يرث من ؟!
وأما في حال الحياة : فإذا كانت مستغنية بمالها ، وعندها المسكن اللائق بمثلها : فليس لها حق في ماله ، وبيته ؛ إلا حق البر والإحسان .
ثالثا:
للمرأة ذمتها المالية المستقلة، فما تكسبه من راتب وغيره ملك لها، ولا يلزمها الإنفاق على البيت ، ولو كانت غنية ، بل ذلك واجب على الزوج ، لكن إن تبرعت بذلك : كانت محسنة مأجورة إن شاء الله، وجاز للزوج الانتفاع بمالها؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4 .
ولهذا ؛ فما أنفقت من راتبك ، ومن عملك الصغير، إذا لم تتفقي مع زوجك على أنه قرض، أو أن تكوني بنفقتك شريكة في المنزل، فالأصل أنه تبرع، فإن مات الزوج، فإن بيته يقسم القسمة الشرعية، وللأم من ذلك السدس كما تقدم.
ولك الآن فصل راتبك ، والاحتفاظ به لنفسك.
وأما بشأن المدخرات السابقة : فأمر التفاهم في شأنها يرجع لك أنت وزوجك ، وبإمانكما ، إن رأيتما ذلك ، أن تفصلا المدخرات ، ويدخر كل واحد منكما بنصيب منها ، في حسابه الخاص .
ولكما أن تقدرا ذلك بما رأيتما ، أو بما يتناسب مع دخل كل منكما ، وما يمكن أن تحصل من عمله .
والحاصل : أن كلام أم زوجك ، ينبغي ألا ينعكس على علاقتك بزوجك نفسه ، وحسن العشرة بينكما ، والتغاضي ، والإحسان ، وبذل المعروف ؛ ولا تجعلي للشيطان مدخلا بينكما ، لأجل شيء من الدنيا وحطامها ، والمال وفتنته ، أو لأجل كلام والدة زوجك .
رابعا:
للزوج أن يهب لزوجته من ماله ما شاء، لا سيما إذا كان ذلك مكافأة لإحسانها وتبرعها السابق. فلو وهب الزوج لك البيت أو بعضه، بحيث يكون شركة بينكما، فلا حرج في ذلك. وتكون الهبة لازمة إذا قبضتِ الموهوب ، وتمكنتِ من التصرف فيه .
فإن لم يحصل القبض في حال الحياة : كان جزءا من التركة. وينظر: سؤال رقم : (182290) .
وليس للزوج أن يوصي لزوجته بشيء من التركة ، تأخذه بعد موته؛ لأن الوصية للوارث لا تجوز؛ لما روى أبو داود (2870) ، والترمذي (2120) ، والنسائي (4641) ، وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) والحديث صححه الألباني في" صحيح أبي داود" .
والله أعلم.
تعليق