الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

حكم مناداة ذوي البشرة السمراء بلقب"العبد".

258177

تاريخ النشر : 15-01-2017

المشاهدات : 56935

السؤال

ألاحظُ في مجتمعي العديدَ من العبارات التي تطلقُ على ذوي البشرة السمراء، فقد يقول قائلٌ في حديثه: "وقد قال لي ذاك العبدُ يومها" وحين تسألُه: ما معنى العبد؟ يقولُ بأنّهُ الإنسان ذو البشرةِ السمراء، وحين تسألُه عن سبب كونِهِ عبدًا يردُّ بأنّ الناس جميعًا عبادٌ لله، مع أنّ أغلبهُم لا يقصدون هذا بل هي مُخلّفات أفكارٍ عنصريّة زُرعت بهم منذُ صِغرهم من الأهل أو المجتمع، فهل يجوزُ هذا الفعل؟ وإن لم يجُز فما الردُّ على فعلِهم؟ جزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

مناداة الشخص ذي البشرة السوداء بلقب "العبد" ؛ المقصود به هنا الشخص المملوك لغيره ؛ لأنه إلى قرون متأخرة كانت نسبة  كبيرة من الأشخاص السود في المجتمع العربي مماليك لغيرهم .

فالحاصل ؛ أن المراد بالعبد - في عرف المجتمع الذي يستعمل فيه هذا اللقب - هو الشخص المملوك لغيره .

ولا شك أن هذا اللقب المراد به هنا : التعيير والاستنقاص .

فلهذا لا يجوز استعمالها في مخاطبة صاحب البشرة السوداء :

- لأن فيها كذبا ، حيث ناداه بصفة "العبد" ، الذي عهد مراد الناس به ، وهو ليس عبدا ، بل هو حر .

- لأن فيها تنابذا باللقب المذموم ، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ) الحجرات/11

- لأن فيها ايذاءً وتعييراً لهؤلاء المسلمين ، وايذاء المسلم وتعييره محرم .

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ) رواه الترمذي (2032) ، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" .

وعَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (37 / 88) .

- في هذا اللقب احتقار لهؤلاء المسلمين ، واحتقار المسلم محرم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم (2564) .

- استعمال مثل هذه الألفاظ فيه فتح لباب العداوة والتباغض بين المسلمين .

قال الله تعالى :

( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) الإسراء /53 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإن الشيطان عدو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، فعداوته ظاهرة بينة " انتهى . "تفسير ابن كثير" (5 /86 - 87) .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :

" وقوله: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ ) أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فدواء هذا، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم، لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 460) .

ثانيا :

الواجب على المسلم الذي يسمع مثل هذه الألقاب في المجالس أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في النصح ، فينصح قائلها وينبهه لخطرها .

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ( حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا.

قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا ؛ كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً .

فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ البَحْرِ لَمُزِجَ ) رواه أبو داود (4875) . ورواه الترمذي (2502)، وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" .

وليتأمل هذا القائل ، المنتقص لأخيه ، قول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ .

وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ ، هَذِهِ .

فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) .

رواه مسلم (1844) من حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب