الحمد لله.
أولا:
إذا كان من السائق تفريط بعدم النظر والتحقق مما وراءه، أو رجوعه بسرعة زائدة، أو غير ذلك مما يعده أهل المعرفة تفريطا: فإنه يضمن ما أتلفه من نفس أو مال.
وإذا لم يكن منه تفريط، كأن نظر وتحقق ورجع بسرعة معقولة، لكن جاء الطفل فجأة ، بحيث لا يمكن تفاديه : فلا ضمان عليه.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن عام 1414هـ الموافق 1993م ، عن الحالات التي يعفى فيها السائق من المسئولية :
" أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان .
ب – إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة .
جـ - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه ، فيتحمل الغير المسؤولية" مجلة المجمع الفقهي العدد الثامن ، الجزء الثاني ص 372 .
وفي حال التفريط، يلزمه نصف الدية.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري: " ما كان في الإنسان منه شيئان، ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفيهما معاً الدية كاملة...
العضو الباطن ، كالعضو الظاهر ، في وجوب الدية ، ففي الكبد الدية كاملة، وفي الكليتين الدية كاملة، وفي الكلية الواحدة نصف الدية." انتهى من موسوعة الفقه الإسلامي (5/ 84، 86).
ثانيا:
ليس لولي الصبي العفو عن هذه الدية؛ لأن دية الأطراف [أي ما دون النفس] إنما يستحقها المجني عليه وحده، لا ورثته، فليس لأحد أن يعفو عنها إلا المجني عليه نفسه، وعفو الطفل لا يصح.
قال الشافعي رحمه الله: " وإذا جرح المحجور عليه ، بالغا أو معتوها أو صبيا ، فعفا أرشَ الجرح في الخطأ : لم يجز عفوه" انتهى من الأم (6/ 96).
وقال ابن حزم رحمه الله: " مسألة : عفو الأب عن جرح ابنه الصغير , أو استقادته له [أي : القصاص] أو في المجنون كذلك : وذكر عن الشعبي أنه قال : إذا وهب الشجةَ الصغيرة التي تصيب ابنه : جازت عليه .
ثم قال علي [أي ابن حزم]: تفريق الشعبي رحمه الله بين الشجة الصغيرة والكبيرة لا معنى له , وقد قال الله تعالى : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) , وحق الصغير والمجنون قد وجب , فلا يجوز أن يسقطه له غيره , لأنه كسب عليه , وهذا ما لا إشكال فيه .
وقد أجمعوا على أن للأب والولي أن يطلبا , وأن يقتصا كل حقٍ للصغير والمجنون , في مالهما , وأنه ليس للأب , ولا للولي , في ذلك عفو , ولا إبراء - فهلا قاسوا أمر القصاص لهما على أمر المال ؟" انتهى من المحلى (11/ 132).
وفي الموسوعة الفقهية (21/ 94): " لا خلاف بين الفقهاء في أن الدية تسقط بالعفو عنها . فإذا عفا المجني عليه عن دية الجناية على ما دون النفس، من القطع وإتلاف المعاني: تسقط ديتها ؛ لأنها من حقوق العباد التي تسقط بعفو من له حق العفو ، والمجني عليه هو المستحق الوحيد في دية الأطراف والمعاني .
واتفقوا على أن دية النفس: تسقط بعفو ، أو إبراء جميع الورثة المستحقين لها .
وإذا عفا أو أبرأ بعضهم دون البعض يسقط حق من عفا ، وتبقى حصة الآخرين في مال الجاني، إن كانت الجناية عمدا ، وعلى العاقلة إن كانت خطأ" انتهى.
وفيها (30/ 181): " ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في العافي أن يكون عاقلا بالغا، فلا يصح العفو من الصبي والمجنون ، وإن كان الحق ثابتا لهما؛ لأنه من التصرفات المضرة ، فلا يملكانه، وينظر للصغار وليهم في : القَود [أي : القصاص] ، والعفو على مال" انتهى.
والله أعلم.
تعليق