الحمد لله.
أولا:
مصطلح الأصدقاء في مواقع التواصل الاجتماعي فيه توسع في المعنى عن أصل وضعه اللغوي ، أو العرف العام له بين الناس.
فيراد بالأصدقاء – في العرف الخاص بمواقع التواصل - : الأشخاص الذين يتابعون منشورات الشخص ، وصفحته ، بغض النظر عن حقيقة العلاقة بينهما ، بل بغض النظر عن مجرد المعرفة الشخصية بين المشتركين .
وبناء على ذلك ؛ فلا يظهر بأس من هذا التصرف – متابعة المرأة المسلمة لصفحة رجل أجنبي ، ترى فيها ما يفيدها ، أو تكون (صديقة له على صفحته) .
بشرط أن يكون محتوى صفحتها – أو صفحتهم – نافعا مفيدا .
وأن لا يكون في صفحتها نشر صور لها أو لغيرها .
أو أن ينشر أحد المتصادقين ، على صفحته : ما هو ذريعة للفساد ، ومرض القلوب .
وإن كان الأولى والأفضل لكل فتاة أن تعرض عن هذه المواقع إلا للحاجة الماسة ، لأنها وإن احتوت على فوائد ، فإن لها مفاسد ، من شرها : أن تكون داعية للتعلق المرضي بين المتصادقين ؛ والسلامة لا يعدلها شيء.
غير أننا ننبه على أمر ينبغي العناية به ، والتأكيد عليه ، والتشديد في شأنه ؛ وهو ألا يحصل بين الشاب والفتاة – أو الرجل والمرأة ، بصفة عامة - : محادثة على الخاص ؛ فإن هذه المحادثة ، وإن لم تكن خلوة بالأجساد ، إلا أنها وسيلة إليها وذريعة إلى نفس الفساد الذي تجلبه الخلوة بالأجساد.
والتصرف المباح إذا كان يؤدي إلى الفساد فإنه يصبح منهيا عنه .
قال الشاطبي رحمه الله تعالى :
" الأدلة الشرعية والاستقراء التام أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية ... وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها ، فإن غالبها تذرع بفعل جائز ، إلى عمل غير جائز ، فالأصل على المشروعية ، لكن مآله غير مشروع ، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها ؛ فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل لما يؤول إليه من الرفق المشروع ، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها .
قال ابن العربي حين أخذ في تقرير هذه المسألة : ( اختلف الناس بزعمهم فيها ، وهي متفق عليها بين العلماء ، فافهموها وادخروها ) " انتهى . " الموافقات " (5 / 179 – 182) .
الثاني : أن يكون الحوار – إذا حصل - قاصرا على الحاجة فقط ، ولا يكون الغرض من المحادثة بينهما : مجرد لمجرد المؤانسة ، أو التبسط في القول ، واللهو ، ونحو هذا ؛ فإن هذا يمنع ، لمفسدته ، ولو كان على العام .
قال الله تعالى :
( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب /32 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" فقال: ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون ، فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع ( الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح ....
فهذا دليل على أن الوسائل، لها أحكام المقاصد.
فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلِينَ لهم القول.
ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) أي: غير غليظ، ولا جاف، كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 663 - 664) .
وينبغي أن يُعلم أنه لا يُعطى جميع الأقارب حكما واحدا ، فإن المدار على مدى البعد أو القرب من أسباب الشر والفتنة .
فكلما قويت أسباب الشر ، وداعية الطمع : قوي جانب المنع من ذلك ، وتوجه التشديد فيه .
وكلما قويت أسباب السلامة ، وضعت دواعي الطمع : توجه جانب الترخيص في ذلك ، بالشرطين السابقين .
وهناك اعتبارات تعين على اتخاذ القرار في هذا ، منها : السن ، والأخلاق ، والحِشْمة ...
فمتى كان هذا القريب كبيرا في السن ، كما لو كان في سن أبيها مثلا ، أو نحو ذلك ، أو كان صغيرا جدا ، في سن ابنها ، أو نحوه : قوي التسامح في الكلام معه ، من غير ريبة ، بما لا يُتسامح فيه مع من كان في سن الشباب ، أو كان قريبا من سن الفتاة .
وكذلك ينظر إلى خلق الشخص ، وأدبه : فالمعروف بحسن الخلق والانضباط والغيرة ... ليس كالماجن ، المعروف بالفسق وفساد الأخلاق .
وعلى كل حال ؛ يجب على المسلم – رجلا كان أو امرأة – أن يكون دائم الحذر من استزلال الشيطان له ، وجره إلى المحرمات من حيث لا يشعر .
وما حك في صدر المسلم من شيء : تركه :
فـ : ( دَعْ مَا يُرِيبُكَ ، إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ ) ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و : ( دَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ ) ، كما قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (34841) ورقم (59873) .
والله أعلم .
تعليق