الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

لماذا أبيح الرسم للأطفال، وحرم على الكبار ؟

265132

تاريخ النشر : 26-12-2023

المشاهدات : 2267

السؤال

لماذا اقتناء الرسوم المتحركة للأطفال حلال، لكن الرسم فقط كهواية ليس حلال؟ ولماذا يجب أن يكون الغرض تعليمياً؟ فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيه أن الغرض تعليمي، وحتى لو قيل ذلك بناء على كون اللعب على شكل أطفال، وأن هذا يساعد على التربية، ماذا كانت ستفيد الخيول ذوات الأجنحة؟ أيضا، إذا كان الرسم والنحت مضاهاة لخلق الله، ويمنع دخول الملائكة، وكبيرة من الكبائر، وفاعلة مذموم جدا، فهل يعقل أن يحل الله ذلك للأطفال فقط، رغم أن احتمال تعلقهم بذلك أكبر؟ المفترض أن يتعلموا على ذلك منذ الصغر، فلا يكبر ذلك معهم، حتى إن هناك من يقول: إن الأمر كان حلالا بادئ الأمر في الإسلام، ولكن الأمر بتحريمة نزل بعد ذلك، حيث إن هناك حديث للرسول عليه الصلاة والسلام، كانت هناك ستائر معلقة بها خيول ذوات أجنحة، أتكون هذه هي التي أقرها أولا، ثم أمر بنزعها؟ إذاً اقتناء اللعب للأطفال حرام أيضا، وشراء الرسوم المتحركة ومشاهدتها حرام أيضا، لا أظن أن هناك عبرة بكونها ثابتة أو لا، كأن تكون فيديو، فما هو إلا تتابع للصور المرسومة، حيث ترسم كل ثانية لوحدها.

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

لا يجوز للكبار تصوير ما فيه روح، أو اتخاذه ؛ وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمرنا بطمسها ، وأخبرنا بما توعّد الله به المصورين من العذاب الأليم يوم القيامة، وأنهم يؤمرون يوم القيامة فيقال لهم (أحيوا ما خلقتم) ، وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، والأحاديث في ذلك كثيرة .

فلا يجوز للكبار تصوير ما فيه روح، لا للتسلية ولا للهواية، وإذا لم يجز ذلك لمن يتعيش منه ويطعم أولاده ، فكيف بمن يصورها لمجرد الهواية أو التسلية .

جاء في صحيح البخاري ( 2225 )، ومسلم ( 2110 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ :" كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي ، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لا أُحَدِّثُكَ إِلا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا).

فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ !!

فَقَالَ ـ أي ابن عباس ـ :  وَيْحَكَ ! إِنْ أَبَيْتَ إِلا أَنْ تَصْنَعَ؛ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ " .

وأما الأطفال فقد جاء الاستثناء مختصا بهم ، فيجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم ، من اتخاذ الألعاب والتصاوير المجسمة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، والأطفال في حاجة إلى اللعب والمرح ، وفي حاجة إلى التعليم ، فلذلك رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ذكر الحليمي في كتاب "المنهاج في شعب الإيمان" (ص97) أن الحكمة من إباحة الصور للأطفال ، هي التعليم والتدريب ، واستئناس الأطفال وزيادة فرحهم الذين يحسن نموهم .

وليس لأحد أن يعترض على حكم الله عز وجل ، أو يرى تعميم الاستثناء على الكبار أيضا ؛ لأن تعميمه يعني إسقاط الحكم بالكلية ، وحصول التعارض والتناقض بين الأحاديث النبوية ، فأحاديث تحرم التصوير على الكبار ، وأخرى تبيحه ، وهذا لا يمكن أبدا ، لأن الأحكام الشرعية لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض ، إذ إنها كلها وحي من الله تعالى .

ثانيا :

من المعقول جدا أن يجيء تحريم أمرٍ ما على الكبار، ويرخص فيه للصغار، فإذا كبروا قيل لهم دعوا هذا ، فلم يرخص لكم فيه من قبل إلا لصغركم .

والحكمة التي رُخص اتخاذ التصاوير بسببها للصغار واضحة جدا ، وهي أن الطفل في هذه السن يحتاج إلى ما يلهيه، وينمي عقله وفطرته ويوسّع خياله وفكره؛ إضافة إلى أنه يهيء البنات الصغار لتحمل مسؤوليات التربية عندما يكبرن ، وسيأتي كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذلك إن شاء الله .

ثالثا :

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر عائشة ولها بنات من العهن تلعب بهن ، ولها خيل ذوات أجنحة ، ولم يأمرها بإتلافها ، بخلاف الستار الذي اتخذته على الجدار ، فلم يكن معدا للعب ، فلذلك أمر بهتكه ونزعه صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري (5956)، ومسلم (2107) – واللفظ له - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :" قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا (نوع من الستائر) فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ " .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللُّعَب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللُّعَب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ، وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان : الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب باللُّعَب ....

وفي رِوَايَة جرير عن هشام : " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعَب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره .

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر "، فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا، قَالَتْ : " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ : بَنَاتِي . قَالَتْ : وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قُلْت فَرَس . قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ ؟ قُلْت : أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة ؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا من "فتح الباري" (10/527) .

والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم (22813)، وصححها الألباني في "غاية المرام"(129) .

وإذا قلنا بجواز اتخاذ التصاوير المجسمة لعبا للأطفال ، فإنه يجوز اتخاذ أشرطة الأفلام الكرتونية لأجلهم، من باب أولى .

وينظر جواب السؤال: (166038) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب