الحمد لله.
أولا:
العلف المصنوع من الطاهرات ، كالحبوب ، ومسحوق الأسماك ، أو الدجاج المذكّى ( المذبوح وفق أحكام الشريعة الإسلامية ) : لا حرج في إطعامه الأسماك ، إذا لم يكن لذلك ضرر على الإنسان عند تناول الأسماك التي تغذت عليه .
فتصنيع العلف من الأشياء الطاهرة المباحة ، وبيعه : لا حرج فيه .
وأما المصنوع من الدجاج غير المذكى ذكاة شرعية، كالميت، والمخنوق ، والمصعوق بالكهرباء، أو المخلوط بالدم ، ولو من الحيوانات المذكاة : فإنه نجس، ولا يجوز إطعامه الأسماك ، أو الحيوانات التي تذبح قريبا؛ لأنه يُصيّرها جلالة، والجلالة لا يجوز أكلها حتى تحبس مدة ، وتطعم من الطاهرات حتى يزول منها أثر النجاسة.
وقد اختلف الفقهاء في جواز إطعام الحيوان المأكول النجاسة، فمنهم من قال بالتحريم ، ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من قيد التحريم بما إذا كان الحيوان سيذبح قريبا، وهذا مذهب الحنابلة، وهو الأظهر.
وعليه : فيجوز أن يعلف النجاسة، إذا كان لا يذبح قريبا، بل يبقى مدة بعد ذلك يعلف فيها من الطاهرات.
وهذا يقتضي منع جعل النجاسة في العلف، ومنع بيع هذا العلف؛ لأن الغالب أن الحيوان ، ولا سيما السمك ، يُعلف منه إلى وقت أكله ؛ فيكون ذلك وسيلة لأكل الجلالة، وهو محرم.
وأما أصحاب المزارع، فيجوز لهم إطعام أسماكهم من هذا العلف، بشرط أن يكفوا عن إطعامها من هذا العلف قبل بيعها بمدة تكفي لطيب لحومها ، وذهاب أثر النجاسة عنها.
وانظر في تحريم أكل الجلالة: جواب السؤال رقم : (149059).
قال في "كشاف القناع" (6/ 193): "وتحرم الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ، ولبنها) لما روى ابن عمر قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلالة وألبانها رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال حسن غريب... (حتى تحبس) الجلالة (ثلاثا) أي ثلاث ليال بأيامهن ؛ لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلها يحبسها ثلاثا (وتطعم الطاهر وتمنع من النجاسة طائرا كانت أو بهيمة) إذ المانع من حلها يزول بذلك، ولأن ما طهر حيوانا طهر غيره كما لو كانت النجاسة بظاهره (ومثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا) أو أكل شيئا طاهرا ثلاثة أيام فيحل أكله.
(ويجوز أن تعلف النجاسة الحيوان الذي لا يذبح) قريبا (أو لا يحلب قريبا) قال في المحرر: أحيانا. قال شارحه: لأنه يجوز تركها في الرعي على اختيارها ومعلوم أنها تعلف للنجاسة انتهى. قال في المبدع: ويحرم علفها نجاسة إن كانت تؤكل قريبا أو تحلب قريبا. وإن تأخر ذبحه أو حلبه- وقيل بقدر حبسها المعتبر- جاز في الأصح، كغير المأكول على الأصح فيه" انتهى.
ثانيًا :
إذا جاز إطعام الحيوانات العلف النجس – حسب التفصيل السابق- فإنه لا يجوز للشركة المصنعة أن تصنع علفًا نجسا وتبيعه للناس؛ لأن بيع النجس لا يجوز، فالانتفاع بالنجس شيء، وبيعه شيء آخر، فمن شروط جواز البيع وصحته : أن يكون طاهرًا .
قال الحجاوي الحنبلي رحمه الله في "زاد المستقنع" في بيانه لبعض ما لا يصح بيعه :
قال: والسرجين النجس.
قال الشيخ محمد بن عثيمين في شرحه :
"قوله: والسرجين النجس يعني ولا يصح بيع السرجين النجس.
والسرجين هو ما يعرف بالسماد الذي تسمد به الأشجار والزروع .
وهذا السماد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سماد نجس، وسماد طاهر، وسماد متنجس.
فالسماد النجس لا يصح بيعه، كروث الحمير، وعذرة الإنسان، وما أشبه ذلك؛ والعلة في ذلك أن هذا النوع من السماد لا يصح أن يُسمد به، يعني لو أن الإنسان سمد بنجس كان حراماً.
لكن أكثر أهل العلم يجيزون السماد بالنجس ، وأن تسمد الأشجار والزروع بروث الحمير وعذرات الإنسان، فهل نقول على هذا القول: إنه يجوز بيعها؛ لأنه ينتفع بها؟
الظاهر: لا يجوز، وإن كان ينتفع بها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، قالوا: أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ يعني يتخذون منها المصابيح، قال: لا، هو حرام يعني البيع، مع أن فيه انتفاعاً، لكن منع النبي صلّى الله عليه وسلّم من بيعه؛ لأنه نجس" انتهى من "الشرح الممتع" (8/122) .
ومنه يعلم أيضا أنه لا يجوز لأصحاب المزارع أن يشتروا الميتات، لإدخالها في العلف؛ لأن شراءها وبيعها محرم، ولا يصح.
ثالثًا :
إذا كانت الدواجن تذبح ذبحا شرعيا، فلا حرج في إدخالها، أو إدخال جلدها ونحوه في العلف، إذا ثبت عدم الضرر.
وأما دمها ، السائل منها ، فلا يجوز جمعه ، وإدخاله في العلف ، لأنه نجس ، وإن كان من حيوان مذكى ، كما سبق ذكره .
وإذا كانت لا تذبح ذبحا شرعيا، فهي ميتة، ولا يجوز إدخالها في العلف كما سبق.
والله أعلم.
تعليق