الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

كيف كتبت القراءات المختلفة بالزيادة في مصحف عثمان رضي الله عنه؟

266514

تاريخ النشر : 24-10-2024

المشاهدات : 778

السؤال

بخصوص اختلاف القراءات ووجود كلمات زائدة في قراءة غير موجودة في قراءة أخرى فكيف كتبت في مصحف عثمان، أليس وجود كلمة زائدة يعني أنها مخالفة للمصحف العثماني؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

سبب استشكال السائل أنه فهم مِن ذكرِ موافقة خطِّ المصحف، وذكر مصحفِ عثمانَ أنّ عثمانَ رضي الله عنه أمر بكتابةِ مصحفٍ واحدٍ، وبالتالي فأيُّ كلمةٍ إما أنْ تكون ثابتةً في المصحف أو لا تكون، وينبني عليه أنه لا يجوز أنْ يكون الاختلافُ بين القراءات المتواترة خلافًا في الإثبات والحذف، وهذا ليس بدقيق، بل الثابتُ عن عثمان رضي الله عنه، والمقرر عند أهل العلم أن عثمان رضي الله عنه أمر بكتابةِ عدّةِ مصاحف، وأرسل بها إلى الأمصار، وبين هذه المصاحفِ اختلافٌ محصورٌ مدوَّنٌ عندَ أهل العلم .

وقد ثبت في صحيح البخاري (4987) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ” أنّ حذيفة بن اليمان، قدم على عثمان ..، فقال حذيفةُ لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدركْ هذه الأمةَ ، قبل أن يختلفوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصةَ : أنْ أرسلي إلينا بالصُّحفِ ننسخُها في المصاحفِ ، ثم نردُّها إليكِ ، فأرسلتْ بها حفصةُ إلى عثمانَ ، فأمر زيدَ بنَ ثابت ، وعبدَ الله بنَ الزبير ، وسعيدَ بنَ العاص ، وعبدَ الرحمن بنَ الحارث بن هشام ، فنسخوها في المَصاحف ” ..، حتى إذا نسخوا الصُّحفَ في المَصاحف، ردّ عثمانُ الصحفَ إلى حفصةَ ، وأرسل إلى كلِّ أُفُقٍ بمُصحفٍ ممّا نَسخوا.. ” .

وفي رواية أبي بكر ابن أبي داود في كتابه “المصاحف” (ص: 94) : قال أنسُ بن مالك رضي الله عنه : ” ففزع لذلك عثمانُ فزَعًا شديدًا ، فأرسل إلى حفصةَ ، فاستخرج الصحيفةَ التي كان أبو بكرٍ أمر زيدًا بجمعِها ، فنسخ منها مصاحفَ ، فبعث بها إلى الآفاقِ “.

ثانيا:

المشترط في صحة القراءة موافقة رسم أحد المصاحف العثمانية:

قال الإمام ابن الجزري في “منجد المقرئين” (ص: 18) : ” كلُّ قراءةٍ وافقت العربيةَ مطلقًا، ووافقت أحدَ المصاحفِ العثمانيةِ ولو تقديرًا وتواتر نقلُها، هذه القراءةُ المتواترة المقطوعُ بها “.

ثم قال : ” ومعنى أحدِ المصاحف العثمانية : واحدٌ مِن المصاحف التي وجّهها عثمانُ رضي الله عنه إلى الأمصار ، وكقراءة ابنِ كثير في التوبة ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) [التوبة: 72] بزيادة (مِن) ؛ فإنها لا توجد إلا في مصحفِ مكّة .

ومعنى (ولو تقديرًا) ما يحتمله رسمُ المصحف ، كقراءة مَن قرأ : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [الفاتحة: 4] بالألف ؛ فإنها كُتبت بغير ألفٍ في جميع المصاحف ، فاحتملت الكتابةُ أن تكون (مالك) ، وفُعل بها كما فُعل باسم الفاعل مِن قوله: (قادر) و(صالح) ونحو ذلك مما حُذفت منه الألفُ للاختصار، فهو موافقٌ للرسم تقديرًا ” انتهى.

ثالثا:

اختُلف في عدد المصاحف العثمانية، وأشهرها قولان: أربعة مصاحف، وسبعة مصاحف.

قال أبو عمرو الداني في “المقنع في رسم مصاحف الأمصار” (ص: 19) : ” أكثرُ العلماء على أنَ عثمان بنَ عفان رضي الله عنه لمّا كتب المصحفَ جعله على أربعِ نسخٍ ، وبعث إلى كلِّ ناحيةٍ مِن النواحي بواحدةٍ منهنّ ، فوجّه إلى الكوفة إحداهنّ ، وإلى البصرة أخرى ، وإلى الشام الثالثة ، وأمسك عند نفسه واحدةً ، وقد قيل: إنه جعله سبعَ نسخٍ ، ووجّه من ذلك أيضًا نسخةً إلى مكةَ ، ونسخةً إلى اليمن ، ونسخةً إلى البحرين ، والأولُ أصحُّ ، وعليه الأئمةُ ” انتهى.

ويُنظر في مناقشة الأقوال والترجيح بينها : مناهل العرفان للزرقاني (1/402) .

رابعا:

أطلق بعضُ أهلِ العلم على المصحف الذي تركه عثمان عنده ” المصحف الإمام ” ، قال الإمام ابن أبي داود في “المصاحف” (ص: 139) : ” الإمامُ الذي كتب منه عثمانُ رضي الله عنه المصاحفَ ، وهو مصحفُه ” انتهى .

ولا يعنون بذلك أنه المصحف الوحيد الذي كتبه عثمانُ رضي الله عنه ، وإنما المراد به المصحفَ الذي بقي عنده ، وكان يقرأ فيه ، وقُتل رضي الله عنه وهو يقرأ فيه ، وسال دمُه عليه .

قال المارغني في “دليل الحيران على مورد الظمآن” (ص: 6) : “أما المصحف الإمام فقد احتفظ به الخليفةُ عثمان رضي الله عنه لنفسه ، وسمي الإمامَ ؛ لأنه اعتُبر الأصل لباقي مصاحف الأمصار المرسلة ، وأنه المرجع للأمة “.

وقد يُعبّر بالمصحف الإمام عن مجموع المصاحف المنسوخة التي أرسلت إلى الأمصار كما قال الشيخ الطاهر ابن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير” (29/378) : ” وكُتب {سَلاسِلا} في المصحفِ الإِمامِ في جميع النسخ التي أُرسلت إلى الأمصار بألفٍ بعدَ اللامِ الثانيةِ ، ولكن القراء اختلفوا في قراءته ..” انتهى .

وقال د. إبراهيم الدوسري في “مختصر العبارات لمعجم مصطلحات القراءات” (ص: 120) مبينًا إطلاق هذا اللفظ على المعنيين : ” (مصحف الإمام):

* مصحف أمير المؤمنين عثمان ابن عفان (ت 35 هـ) الذي اتخذه لنفسه يقرأ فيه – رضي الله عنه -.

* المراد به الجنس، وهو ما يشمل مصحفَه رضي الله عنه وسائر المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار، والغالب في هذه تعريفه بـ (ال)، فيقال: (المصحف الإمام) ” انتهى .

ولا يُشترط في صحة القراءة أن تكون موافقة لمصحفِ عثمان رضي الله عنه الخاص ، بل أنْ توافقَ أحدَ المصاحف العثمانية كما سبق.

خامسا:

قال السيوطي رحمه الله في “الإتقان في علوم القرآن” (4/ 181) في بيان كيفية كتابة الكلمات المختلفة بالزيادة والنقصان في المصاحف العثمانية : ” وأمّا القراءاتُ المختلفةُ المشهورةُ بزيادةٍ لا يحتملها الرسمُ ونحوها، نحو ( أَوْصَى ) و( وَصَّى ) ، و( تَجْرِي تَحْتَها ) و( مِن تَحْتِها ) ، و ( سَيَقُولُونَ اللهُ ) و( لله ) ، و( مَا عَمِلَتْ أَيْدِيْهِمْ ) و( مَا عَمِلَتْهُ ) : فكتابتُه على نحوِ قراءتِه ، وكلُّ ذلك وُجد في مصاحفِ الإمام ” انتهى .

وفصَّل ذلك الشيخ صبحي الصالح في “مباحث في علوم القرآن” (ص: 86) فقال : ” وغنيٌّ عن البيان بعد هذا أنّ كلَّ لفظٍ قرآنيٍّ لم يتواتر في قراءته أكثرُ مِن وجهٍ كان يُكتب برسمٍ واحدٍ فقط ، وأنَّ كلَّ ما صحّ فيه تواترُ أكثر مِن وجهٍ وتعذّر رسمُه في الخطِّ محتملًا لجميعِ الوجوه ، كان لا بدَّ أنْ يُلجئ الناسخينَ إلى كتابتِه في بعضِ المصاحفِ بوجهٍ ، وفي بعضِها الآخرِ بوجهٍ ثانٍ .. على أنّ هذا النوعَ الأخيرَ قليلٌ جدًّا ، وقد ذُكر محصورًا في آياتٍ معدودةٍ في أكثر الكتب المؤلفة حول المصاحف” انتهى .

وقد بيّن الإمامُ ابن الجزري سببَ وجود الاختلاف اليسير بين هذه المصاحف فقال في كتابه “النشر في القراءات العشر” (1/ 32) : “لا إشكالَ أنّ الصحابةَ كتبوا في هذه المصاحف ما تحقّقوا أنه قرآنٌ وما علموه استقر في العرضة الأخيرة ، وما تحقّقوا صحتَه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يُنسخ ، وإن لم تكن داخلةً في العرضة الأخيرة ؛ ولذلك اختلفت المصاحفُ بعضَ اختلافٍ ؛ إذ لو كانت العرضةُ الأخيرة فقط لم تختلف المصاحف بزيادةٍ ونقصٍ وغير ذلك ، وتركوا ما سوى ذلك ” انتهى.

وقد نقل بعضُ مَن قرأ في مصحفِ عثمانَ رضي الله عنه الخاصِّ الخلافَ بينه وبين بقية المصاحف التي انتسخها أهلُ المدينة

فروى ابن أبي داود المصاحف (ص: 139) بإسناده عن خالد بن إياس بن صخر بن أبي الجَهم : “أنه قرأ مصحفَ عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فوجد فيه مما يخالف مصاحف أهلِ المدينة اثني عشر حرفًا ، منها في البقرة: ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ ) [البقرة: 132] ، بغير ألف، وفي آل عمران: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ ) [آل عمران: 133] بالواو، وفي المائدة: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ) [المائدة: 53] بواو، وفيها أيضًا ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ ) [المائدة: 54] بدال واحدة، وفي براءة: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا )[التوبة: 107] بواو، وفي الكهف: ( لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) [الكهف: 36] ، واحدٌ، وفي الشعراء: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ ) [الشعراء: 217] بالواو، وفي المؤمن: ( أَوْ أَنْ يَظْهَرَ ) [غافر: 26] ، وفي الشورى: ( فَبِمَا كَسَبَتْ ) [الشورى: 30] بالفاء، وفي الزخرف: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ ) بغير هاء، وفي الحديد: ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) [الحديد: 24] بـ( هو )، وفي الشمس وضحاها: ( وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) [الشمس: 15] ، بالواو ” انتهى .

وينظر جواب السؤال (403914)

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب