الحمد لله.
أولا :
هناك فرق بين الخِطبة والعقد ، فالخطبة : إبداء الرغبة في نكاح المرأة ، والغالب أن لا يحصل فيها إيجاب من الولي ، لأنه يتمهل ، وينتظر معرفة رأي المخطوبة، وقد يحصل فيها وعد من الولي بالتزويج .
وأما العقد فإن له أركانا وشروطا، فمن أركانه: الإيجاب والقبول، والإيجاب يكون من الولي أو وكيله، والقبول يكون من الزوج أو وكيله .
فإذا كان الأب هو الولي ، فإنه يقول : زوجتك بنتي فلانة . ويقول الزوج : قبلت الزواج من فلانة .
قال في "كشاف القناع" (5/ 37) : "ولا ينعقد النكاح إلا بالإيجاب والقبول ، والإيجاب هو اللفظ الصادر من قِبَل الولي أو من يقوم مقامه كوكيل.. " انتهى بتصرف .
وبعض الفقهاء - كالحنابلة - يشترطون أن يتقدم الإيجاب على القبول . وينظر : "المغني" (7/61).
كما يشترط لصحة العقد وجود شاهدين مسلمين .
ثانيا :
إن حصل الإيجاب والقبول في الخطبة ، وتواعدا على العقد فيما بعد ، فلا ينعقد النكاح إلا عند العقد ؛ لأن هذا كالتصريح بأن ما تم في الخطبة ليس عقدا .
وإن حصل الإيجاب والقبول في الخطبة ، ولم يتواعدا على العقد فيما بعد ولم يذكراه :
فهنا يرجع إلى العادة عندهم : فإن جرت العادة بأن هذا وعد وتوطئة للعقد ، وليست عقدا ، فإن النكاح لا ينعقد بذلك .
وإن جرت العادة بأن هذا عقد ، فهو عقد .
سئل الشيخ عليش المالكي رحمه الله : " ( ما قولكم ) فيمن بعث رجلا لآخر خاطبا لبنته للأول أو لولده فأجابه ، وتواعدا على العقد ليلة البناء ، وأرسل لها كسوة ، ثم أرسل لأهلها طالبا الدخول بها ، فجهزوها وزفوها إليه ، ودخل بها بلا عقد ولا إشهاد ، ظانا حصولهما من الأبوين ...
فأجاب : التفريق بين هذا الرجل وهذه المرأة : واجب . ولا يقال له فسخ ؛ لعدم العقد .
ووجب عليها الاستبراء ، ولا يصح العقد عليها له ، أو لغيره ، فيه .
هذا هو الصواب . قال العلامة التاودي في شرح التحفة : سئل أبو سالم إبراهيم الجلالي عما جرت به العادة من توجيه الرجل من يخطب امرأة لنفسه ، أو لولده فيجيبه أهلها بالقبول، ويتواعدون العقد ليلة البناء ، ثم يبعث لها حناء وحوائج في المواسم ، ويولون النساء عند الخطبة، ويسمع الناس والجيران أن فلانا تزوج فلانة ... ثم يطرأ موت ، أو نزاع .
فأجاب بما حاصله : إن كانت العادة جارية بأن الخطبة وإجابتها بالقبول : إنما هما توطئة للعقد الشرعي ليلة البناء ، وأنه لا إلزام بما يقع بينهم ، وإنما هي أمارات على ميل كل لصاحبه : فلا إشكال في عدم انعقاد النكاح بذلك ، وعدم ترتب أحكامه عليه .
وإن كانت العادة أنهما جاريان مجرى العقد فيما يترتب عليه ... فلا إشكال أن النكاح انعقد بهما وترتبت عليهما أحكامه .
وإن جُهل الحال ، بحيث لو سئلوا : هل أرادوا الوعد أو الإبرام لا يجيبون بشيء منهما ، فالذي أفتى به المزدغي : انعقاد النكاح وترتب أحكامه بهما ، والذي أفتى به البقِّيني عدم ذلك كله .
ثم قال التاودي : والحاصل : إن كانت العادة أن الخطبة والإجابة بالقبول : عقد ، ولو ممن ناب عن الزوج والولي ، وعلم الزوج والزوجة ، ورضيا به : فالظاهر انعقاد النكاح بذلك ، وترتب أحكامه عليه ، وإن كانت العادة أن ذلك مجرد قبول ، وسكون ، أو وعد : فلا . والله أعلم .
على أن النظر للعادة إنما هو عند السكوت .
أما عند التصريح بالمواعدة على أن العقد الشرعي إنما يكون ليلة البناء : فلا ؛ إذْ هو ناسخ لها [أي للعادة] - على فرض ثبوتها - بأن ذلك عقد " انتهى من "فتاوى الشيخ عليش" (1/ 421). وينظر : شرح التاودي (1/ 17) ، وشرح ميارة على تحفة الحكام (1/ 155).
فإذا تكلم والدك بما تكلم به ، على اعتبار أن ذلك خطبة، وصرح بأن العقد فيما بعد : فهذه خطبة.
وإذا لم يصرح بأن العقد فيما بعد ، لكن كانت العادة في مجتمعكم أن العقد يتأخر عن الخطبة: فالذي تم هو خطبة، وليس عقدا، حتى لو حصل الإيجاب والقبول في وجود شاهدين.
ثالثا:
يتأكد ما ذكرنا بأن الولي والزوج لو تكلما بما لا يفهمان معناه، أو تكلم أحدهما بما لا يفهم معناه: فإن العقد لا يتم بذلك.
قال الدكتور وهبة الزحيلي: " إذا لم يفهم الشخص عبارة غيره ، الذي نطق بعبارة تدل على الرضا بالتصرف: لم ينعقد العقد، سواء في الإيجاب أو القبول؛ لأن العبارة الصادرة منه لا تدل على قصد صحيح، ولا تعبر عن إرادته، والإرادة أو القصد أساس الرضا" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (4/ 3039).
رابعا:
إذا كان ما تم هو خطبة، فلا حرج في فسخها، وقبول خطبة رجل آخر.
ولو تقدم لها من لا يعلم أنها مخطوبة، ورأت أنه أصلح لها، فلا حرج في قبول خطبته، ثم تفسخ خطبة الأول.
ولو خطبها الثاني وهو يعلم أنها مخطوبة: حرم عليه ذلك، وحرم عليهم قبوله، فإن تزوجها، فزواجه صحيح، وعليهم أن يستغفروا الله.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (18/ 51) : " طلب رجل امرأة من أبويها ودفعها له، ثم سافر إلى سنة أو أكثر، ثم طلبها رجل آخر، فهل يدفعها للآخر أو لا؟
الجواب: إن كان ما اتفق عليه أبوها مع الأول خطبة فقط ، فلأبيها أن يقبل خطبة الثاني بنته ، ويستجيب له إذا رأى مصلحة ابنته في ذلك ورضيت .
وليس للثاني أن يخطبها ، إلا إذا علم انصراف الأول عنها ، أو انصرافهم عنه ، أو أذن الأول في ذلك؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن خطبة الرجل على خطبة أخيه .
وإن كان الأول قد عقد له عليها عقد نكاح : فليس لأبيها أن يعطيها ، ولا تحل للثاني ، إلا إذا طلقها الأول ، أو توفي عنها ، وانتهت عدتها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وينظر لمزيد الفائدة: جواب السؤال رقم (144120).
وأنت لم تذكري شيئا عن علاقة خطيبك الأول بك ، ولا أن علاقته مستمرة بك حتى الآن ، ولا أنه يصرح لك أنك زوجته وأنه قد تم عقد النكاح بينكما .. ونحو ذلك .
فإن كان الأمر كذلك ، فهذا يدل على أنه هو نفسه يعتبر ما تم خطبة ، وليس عقدا .
أما إذا كان يعتبر ما سبق زواجا .. فهنا لابد من إنهاء تلك المشكلة أولا معه قبل أن تتزوجي من الخاطب الثاني .
وحينئذ لابد من الذهاب إلى أحد المراكز الإسلامية عندكم ، ويستمع المفتي هناك من الطرفين ، ثم يفتيكم ، بناء على ذلك : إن كان ما تم بينكما زواجا ، أو مجرد خطبة .
والله أعلم .
تعليق