السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

إذا باع أرضه وفتح بثمنها محلا تجاريا هل يكون ماله ممحوق البركة ؟

272046

تاريخ النشر : 20-06-2018

المشاهدات : 36276

السؤال

أريد بيع قطعة أرض صالحة للبناء لأجهز بثمنها محلا تجاريا للمواد الغذائية ، فهل المحل يكون منزوع البركة للحديث المعلوم ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

أخرج الإمام أحمد (17990) ، وابن ماجة (2481) عَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ   .

قَوْله: " قَمِنًا " أَيْ جَدِيرًا وَخَلِيقًا.

وروى ابن ماجة (2482) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  مَنْ بَاعَ دَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَا  .

وهذا الحديث اختلف أهل العلم في قبوله ، فمنهم من حكم عليه بالضعف ، كالذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/212) فإنه ذكر حديث سعيد بن حريث ، وقال عنه : منكر .

وذكره ابن القيسراني في "الموضوعات" ، وذكره محمد بن درويش الحوت في "أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب" (1360) ، (1361) وضعفه ، وكذلك ضعفه السندي في "حاشيته على ابن ماجة" .

وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب: بأن شواهد الشريعة تدل على أنه ليس بصحيح ، لأن الإنسان إذا باع بيته فإنه يتصرف في ثمنه بما شاء ، لأنه ملكه ، سواء اشترى به بدله أو حج به.... انتهى.

وذهب بعض العلماء إلى الحكم عليه بالقبول ، فصححه السيوطي ، وحسنه السخاوي .

والحديث حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (5/326) بمجموع طرقه وشواهده .

والذي يظهر أن الأقرب في الحديث : أنه لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله ، عن حديث حذيفة : " مَوْقُوفٌ عِنْدِي أَقْوَى " انتهى من "العلل" (6/122) .

وصحح الإمام أحمد الموقوف على حذيفة أيضا ، ولم يعتبر رواية الرفع . ينظر : "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (15/25) .

ثانيا :

وأيا ما كان الأمر في ثبوت الحديث من عدمه ؛ فلم يقل أحد من العلماء – فيما نعلم- بأنه يحرم بيع الدور والعقارات ، أو بأنه يجب على من باع شيئا منها أن يجعل ثمنها في عقار آخر ، وإنما ذلك على سبيل الإرشاد والندب ، وأن ذلك هو الأفضل لمن باع عقارا .

والحديث دليل على أن الله تعالى جعل في الأرض والعقارات بركة ، وهذا موافق لقول الله تعالى :  قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ  فصلت/9، 10 .

قال سفيان بن عيينة رحمه الله : "إن الله يقول : (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) .

يقول : فلما خرج من البركة ثم لم يعدها في مثلها لم يبارك له" انتهى من "سنن البيهقي" (6/34).

والأراضي والدور أكثر نفعا من المنقولات – وهذا من بركتها ، كما هو ظاهر – فإنها باقية ، سالمة من الضياع والسرقة والخسارة .

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" في شرح الحديث رقم (2966) ، وهو حديث سعيد بن حريث المتقدم :

"قَالَ الْمُظْهِرُ: " يَعْنِي: بَيْعُ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ ، وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى الْمَنْقُولَاتِ : غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ ، قَلِيلَةُ الْآفَةِ ، لَا يَسْرِقُهَا سَارِقٌ ، وَلَا يَلْحَقُهَا غَارَةٌ ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولَاتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُبَاعَ ، وَإِنْ بَاعَهَا فَالْأَوْلَى صَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى أَرْضٍ أَوْ دَارٍ ...

قال القاري : وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ بِلَفْظِ: (مَنْ بَاعَ دَارًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَى ثَمَنِهَا تَلَفًا يُتْلِفُهُ)" انتهى .

وقال الساعاتي في "الفتح الرباني" (15/26) :

"لما كانت الدار كثير المنافع ، قليلة الآفة ، لا يسرقها سارق ، ولا يصيبها ما يصيب المنقولات ، كره الشارع بيعها ، لأن مصير ثمنها إلى التلف ، إلا إذا اشترى به غيرها فلا كراهة" انتهى .

ويستثنى من النهي عن بيع العقار: إذا باعه وجعل ثمنه أو بعضه –كما في بعض الروايات- في مثله ، أو كان ذلك لضرورة ، كما لو باع عقارا لا يحتاج إليه لسداد دين أو للذهاب للحج ... ونحو ذلك .

قال الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" (9/99- 101) :

"روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله :  من باع دارا أو عقارا ثم لم يجعل ثمنه في مثله -وفي بعض الحديث -: أو من ثمنه في مثله ، لم يبارك له فيه  ...

قال : فكان من باع دارا أو عقارا فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه ، فعاقبه الله بأن جعل ما استبدله به غير مبارك له فيه" انتهى باختصار .

وقد نص العلماء على جواز بيع الوصي عقار اليتيم إذا كان ذلك لضرورة ، أو لمصلحة ظاهرة لليتيم . ينظر كلام ابن قدامة في ذلك في "المغني" (6/341) .

والخلاصة :

أن العقار أكثر بركة من غيره من المنقولات ، وأكثر نفعا ، وأبعد عن الضياع والسرقة والتلف والخسارة .

فلا ينبغي للإنسان أن يبيع عقاره من غير ضرورة ، إلا أن يجعل ثمنه أو بعضه في عقار آخر.

أما إذا باعه ليتوسع بثمنه ويترفه ، أو ليدخل به في تجارة ، ونحو ذلك ، فإنه يخاطر بماله مخاطرة كبيرة ، ويعرضه للآفات والضياع ، بعد أن كان محفوظا مأمونا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب