الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حول شبهة ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة عندما هجر زوجاته

273605

تاريخ النشر : 22-10-2017

المشاهدات : 35006

السؤال

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : " أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ ، أوْ كَتِفُهُ ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: ( إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً ) ، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ الله، إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً؟ ، فَقَال: ( إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ) متفق عليه ، وحديث آخر يروي قصة هجر الرسول عليه أفضل الصلوات و التسليم لزوجاته وإسناده : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا جارية بن أبي عمران ، قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : " جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، وهما يتحدثان ، وقد ذهب بصر جابر، فجاء رجل فسلم ثم جلس فقال : يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟ فقال جابر : تركنا رسول الله يوما وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر ، فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ، ويعلم مكاننا ، فأطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ، ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح ، ويتكلم ، ويستأذن حتى أذن له رسول الله " هل كان الرسول صلى الله عليه و سلم مصابا ولذلك لم يصلي بالمسلمين لمدة يوم وليلة ؟ أم أن هناك سبب آخر؟ وهل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في جماعة لكن مع أناس آخرين في ذلك اليوم ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت بسبب إصابته ، وكان يصلي جماعة بمن حضر من المسلمين يعوده .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

لا يخفى على أحد من المسلمين فضل صلاة الجماعة ، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، حتى إنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم لم يستطع لشدة المرض أن يخرج لصلاة الجماعة ، وأمر أن يصلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالصحابة إماما ، فلما شعر في نفسه بخفة ، خرج صلى الله عليه وسلم لصلاة الجماعة يهادَى بين رجلين من أصحابه .
وفي ذلك يقول الأسود بن يزيد : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَأُذِّنَ فَقَالَ:" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ:" إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ ". أخرجه البخاري (664) ، ومسلم (418) .

ولقد تربى الصحابة رضوان الله عليهم على ذاك الحرص ، فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ » . أخرجه مسلم (654).

ثانيا :

أما الحديث الأول الوارد في السؤال فهو حديث صحيح ، أخرجه البخاري (378) ، ومسلم (411) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ - أَوْ كَتِفُهُ - وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:" إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا " .

وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا ، فَقَالَ:" إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ". وفي لفظ عند البخاري (2469) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ ، فَجَلَسَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ:" لاَ ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا ، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ» .

وروايات الحديث تدل على أنه توافق أمران :

الأول : مرض النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة سقوطه من على فرسه، فجُحِشت ساقه أو كتفه ، وانفكت قدمه ، فأصبح لا يقدر على القيام .

والثاني : أنه آلى من نسائه شهرا ، أي حلف ألا يدخل عليهن شهرا . واختلف في سبب ذلك ، وليس هذا محل بيانه ، فمكث صلى الله عليه وسلم يبيت في المشربة ، وهي غرفة يُصعد إليها ، ولا يدخل على نسائه .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/301) :" اتَّفَقَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ". اهـ

ونظرا لمرضه صلى الله عليه وسلم لم يستطع الخروج إلى صلاة الجماعة في المسجد ، فزاره بعض الصحابة في تلك الغرفة ، فلما حضرت الصلاة صلى بهم جماعة في غرفته .

كما في رواية عند البخاري (1114) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى قَاعِدًا ، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا ، وَقَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ " .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على أن المرض عذر في ترك صلاة الجماعة .

وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمن جاءه زائرا جماعة في بيته ، نظرا لمرضه .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (2/315) :" وفى هذا الحديث إمامته بهم - عليه السلام - في بيته كما تقدم ، وجواز صلاة الفرض في جماعة في المنازل ، وذلك أنه لم يستطع الخروج لعذر " .انتهى.

وقال ابن رجب في "فتح الباري" (2/459) وفي الحديث: دليل على أن المريض الذي يشق عليه حضور المسجد : له الصلاة في بيته ، مع قرب بيته من المسجد ، وفيه: أن المريض يصلي بمن دخل عليه للعيادة جماعة ؛ لتحصيل فضل الجماعة ". انتهى .

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/177) :" قَوْلُهُ " فِي بَيْتِهِ " أَيْ : فِي الْمَشْرُبَةِ الَّتِي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَزَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ بِمَنْ حَضَرَ ". انتهى

وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله : "باب إذا عاد مريضا ، فحضرت الصلاة، فصلى بهم " انتهى .

فتبين مما سبق أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمن زاره من أصحابه جماعة في بيته ، وتركه الجماعة في المسجد ، كان لأجل مرضه ، وتوافق أنه كان حينئذ قد هجر نساءه ، وأقسم ألا يدخل عليهن شهرا ، فيكون تركه للجماعة في المسجد لأجل المرض ، لا لأجل أنه هجر نساءه صلى الله عليه وسلم .

ومن أحسن ما قيل في ذلك قول ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/311) :" وأما انفكاك قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس لذلك ، موليًا عن نسائه ؛ جامعًا في ذلك بين معالجة الكريمة بالراحة ، وبين معالجة ، أخلاق النساء بالإيلاء ". انتهى

وأما الرواية الأخرى الواردة في السؤال فلا تصح ، فقد أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/179) ، وإسنادها لا يصح لأجل الواقدي فإنه متروك .

إلا أنه ورد معناها إجمالا عند البخاري (2468) ، ومسلم (1479) ، بسياق مقارب لهذا السياق.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب