الحمد لله.
أولا:
لا شك أن المرأة قد تفتن بالرجل لجماله أو حسن ثيابه أو طيب عطره ونحو ذلك . ولذلك أمر الله النساء بغض البصر فقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) النور/31 .
ومن أجل ذلك ذهب جماعة من الفقهاء إلى تحريم نظر المرأة للرجل ، ولحديث أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه - وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتجبا منه ، فقلت : يا رسول الله ، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ . رواه الترمذي ( 2778 ) وأبو داود ( 4112 ).
لكن الحديث ضعيف، فيه نبهان مولى أم سلمة وهو مجهول ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 1806 ) .
ولهذا فالراجح جواز نظر المرأة إلى الرجل-عدا عورته- .
لكن إن كان النظر بشهوة، أو خشيت الفتنة : حرم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين ، سواء كان في التلفزيون أو غيره:
1- نظر شهوة وتمتع : فهذا محرم ، لما فيه من المفسدة والفتنة .
2- نظرة مجردة ، لا شهوة فيها ولا تمتع : فهذه لا شيء فيها، على الصحيح من أقوال أهل العلم ، وهي جائزة لما ثبت في الصحيحين ( أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترها عنهم ) وأقرها على ذلك .
ولأن النساء يمشين في الأسواق ، وينظرن إلى الرجال ، وإن كن متحجبات .
فالمرأة تنظر إلى الرجل ، وإن كان هو لا ينظرها ، بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة ؛ فإن كانت شهوة أو فتنة : فالنظرة محرمة ، في التلفزيون وغيره" انتهى من فتاوى المرأة المسلمة (2/ 973).
وعليه : فليس للمرأة أن تتفحَّصَ الرجل ، وتتأمل ثيابه وغترته ، وتفاصيل جسده؛ لأنها مأمورة بغض البصر، ولما يخشى عليها من الفتنة.
ثانيا:
لا شك في جواز الطيب للرجال، وأخذ الزينة في الثياب ونحوها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتطيب بأحسن الطيب، وكان أصحابه يتطيبون، وأمرهم الله بأخذ الزينة إذا أتوا المسجد فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) الأعراف/31، 32 .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم، وخلفهم النساء، فلم يمنعوا من شيء من ذلك.
وكذلك كانوا يحرمون بالحج والعمرة ، ومعهم النساء، وقد يكشف الرجل عن صدره وعاتقيه، فلم يؤمروا بستر ذلك.
ولهذا فإن على المرأة أن تتقي الله تعالى، ولا تغشى أماكن وجود الرجال إلا لحاجة، وأن تنصرف من المسجد قبل الرجال، وأن لا تزاحمهم في الطرقات، وأن تغض بصرها، وألا تنظر للرجال إلا لحاجة من بيع وشراء ونحو ذلك.
ومع هذا ينبغي للرجل : ألا يبالغ في الزينة إذا خاف افتتان النساء به، كما روى البخاري (6211) ومسلم (2323) عن أنَس بْن مَالِكٍ : قَالَ كَانَ للنبي صلى الله عليه وسلم حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم: (رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لاَ تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ). قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِى ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.
فقد قيل في معنى الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك خوفا على النساء من تأثرهن بالحداء الذي كان يحدوه أنجشة، فدل على مراعاة النساء ، وعدم إدخال الفتنة عليهن.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 545): " وجوز القرطبي في المفهم الأمرين فقال: شبههن بالقوارير ، لسرعة تأثرهن ، وعدم تجلدهن ، فخاف عليهن من حث السير ، بسرعة السقوط ، أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن السرعة .
أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد. قلت: والراجح عند البخاري الثاني" انتهى.
وقد نفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصر بن الحجاج إلى البصرة، لئلا تفتن به نساء أهل المدينة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَفَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْ وَطَنِهِ ، إلَى الْبَصْرَةِ ، لَمَّا سَمِعَ تَشْبِيبَ النِّسَاءِ بِهِ .
وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ ؛ لِيُزِيلَ جَمَالَهُ الَّذِي كَانَ يَفْتِنُ بِهِ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْنَتَيْنِ ، غَمَّهُ ذَلِكَ ، فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ !!
فَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَنْبٌ وَلَا فَاحِشَةٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ؛ لَكِنْ كَانَ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَفْتَتِنُ بِهِ ، فَأَمَرَ بِإِزَالَةِ جَمَالِهِ الْفَاتِنِ ؛ فَإِنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ وَطَنِهِ مِمَّا يُضْعِفُ هِمَّتَهُ وَبَدَنهِ ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُعَاقَبٌ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الَّذِينَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْفَاحِشَةُ وَالْعِشْقُ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 313) .
وهذا يدل على مراعاة المعنى المتقدم وهو الخوف على النساء من الفتنة ، وتجنيبهن أسباب ذلك، فينبغي ألا يبالغ الرجل في زينته إذا ابتلي بالتعامل مع النساء، خشية الفتنة لهن ، وبهن .
لكن لا يقال بحال : إنه يكون مذنبا إذا تعطر، فضلا عن أن يكون زانيا، فهذا مما لا أصل له ؛ وهو لم يفعل إلا ما أبيح له.
والله أعلم.
تعليق