الحمد لله.
إذا رأت المرأة الكدرة في زمن العادة قبل نزول الدم، فهل تعد ذلك حيضا مطلقا، أو لا تعده مطلقا، أو إن كان في زمن العادة ، وصحبها ألم الحيض ، واتصل بها الدم : فهي حيض ؛ وإلا فلا؟ أقوال لأهل العلم.
وعلى القول الأخير، فإن المرأة إذا اعتادت هذا، أي نزول الكدرة قبل الدم مصحوبة بالألم ، ويتصل بها الدم، فإنها إذا رأت الكدرة أمسكت عن الصلاة؛ لأن المعتاد أنه يتصل بها الدم.
وعلى فرض أنها انقطعت ولم يتصل بها الدم فإنها تقضي ما تركت من الصلاة؛ لتبيّن أن هذه الكدرة ليست من الحيض.
وأما إذا لم يكن لها عادة بمجيء الكدرة على هذا النحو، فإنها لا تمسك عن الصلاة، فإن اتصل بها الدم، علمت أنها من حيضها، ولا شيء عليها في صلاتها، لكن تقضي ما صامت فيها.
وهذا كما جاء في السؤال، فإنه إذا لم يكن لك عادة بمجيء الكدرة بهذه الصفة، فإنك تصلين الظهر، وتواصلين الصوم. وإذا حصل جفاف لمدة ساعة أو ساعتين بعد الكدرة، فهذا يعني عدم اتصالها بالدم.
وما قلناه في توجيه هذا القول، نظير ما قاله الفقهاء في جملة من المسائل منها مسألة المبتدأة، وأنها تجلس يوما وليلة ثم تغتسل وتصلي، الخ كلامهم، فإنه يتضمن أنها تجلس ولا تصلي إذا بدأها الدم، فإن انقطع قبل تمام اليوم والليلة، تبين أنه ليس حيضا، فتقضي الصلاة.
قال الزركشي رحمه الله: " الجارية إذا رأت الدم في زمن يصلح لكونه حيضا - وأقله استكمال تسع سنين على المذهب أو اثنتي عشرة سنة على رواية - فإنها تترك له الصوم والصلاة، وغيرهما مما تشترط له الطهارة، ويعطى حكم الحيض، لأن الحيض دم جبلة وعادة، وهو شيء كتبه الله على بنات آدم ، وقد وجد سببه فاعتمد ذلك، وكونه دم فساد الأصل عدمه، ثم إن انقطع لأقل من أقل الحيض، فقد تبين أنه دم فساد، فتعيد ما تركته من الصلاة".
انتهى من "شرح الزركشي على الخرقي" (1/ 425).
فكذلك الكدرة إذا لم تتصل بالدم، تبين أنها ليست حيضا، فتقضي ما تركته من الصلاة.
هذا على القول الذي ذكرناه ، من اشتراط الألم واتصال الكدرة بالدم.
وأما على المشهور من كلام الفقهاء : فإن الكدرة إذا كانت في زمن الحيض فهي حيض، دون اشتراط مصاحبة الألم أو اتصال الدم بها. وينظر: جواب السؤال رقم : (179069)
وفي هذا الخلاف سعة. واشتراط أمارة الحيض ، وهو الألم مع اتصال الدم، قول متوسط بين من يرى الكدرة مطلقا حيضًا، ومن لا يراها شيئا قبل نزول الدم.
والقول بأن هذه الكدرة لا تعد حيضا، وأن المدار على نزول الدم، قول قوي، وهو آخر ما استقر عليه رأي شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، كما في الجواب المحال عليه، وينظر: السؤال رقم : (171945) .
والله أعلم.
تعليق