الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حول شرح الحديث الذي جاء فيه أن رجلا سبّ أبا بكر الصديق فصمت عنه مرارا ثم ردّ عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس

275678

تاريخ النشر : 02-10-2017

المشاهدات : 116068

السؤال

ما معنى هذا الحديث: سَبَّ رَجُلٌ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا سَكَتَ الرَّجُلُ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَبَّنِي وَسَكَتُّ فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ قُمْتَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ عَنْكَ حِينَ سَكَتَّ ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ ذَهَبَ الْمَلَكُ وَقَعَدَ الشَّيْطَانُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْعُدَ فِي مَقْعَدٍ مَعَ الشَّيْطَانِ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ ، قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ " .

ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً " .

والحديث : أخرجه أحمد في "مسنده" (9624) ، وأبو داود في "سننه" (4879) ، والبزار في "مسنده" (8495) ، والبغوي في "شرح السنة" (3586) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/236) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (820) ، جميعا من طريق محمد بن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه به .

وخالف الليثُ بن سعد محمدَ بن عجلان فرواه عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب به مرسلا ، أخرجه من طريق الليث أبو داود في "سننه" (4896) .

فمن أهل العلم من رجح المرسل ، كالإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (2/102) .

وقال الدارقطني في "العلل" (8/153) :" ويشبه أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ ابْنِ عَجْلَانَ ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - فِيمَا ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - : أَصَحُّ النَّاسِ رِوَايَةً عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، وَعَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّهُ أَخَذَهَا عنه قديما ". اهـ

وبذلك جزم ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/11) .

ومن أهل العلم من لم يعل الموصول بالمرسل ، وقَبِل الحديث ، ومن هؤلاء البوصيري كما في "إتحاف الخيرة" (5/478) حيث قال :" ورواته ثقات " . اهـ ، وصححه العامري في "الجد الحثيث" (ص44) ، وصحح العجلوني إسناده في "كشف الخفاء" (1/101) ، والصنعاني في "سبل السلام" (2/676) ، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2376) .

ثانيا :

أما معنى الحديث ، على تقدير صحته ، وهو ما سأل عنه الأخ الكريم ، فجوابه ما يلي :

كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فسب رجلٌ أبا بكر رضي الله عنه مرتين ، كما في رواية أبي داود (4896) ، وفي كل مرة يصمت أبو بكر ولا يرد عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعجب ويبتسم ، ثم سبه الرجل مرة ثالثة ، وحينئذ ردّ عليه أبو بكر وانتصر ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فتبعه أبو بكر ، وسأله عن سبب غضبه وذهابه من المجلس ، فأخبره أنه ما من مرة سبَّه فيها الرجل وسكت ، إلا ردّ عليه مَلَك ، فلما انتصر أبو بكر ، وردّ بنفسه ، ذهب الملك وحضر الشيطان ، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر مجلسا فيه الشيطان .

وردُّ أبي بكر على الرجل ليس حراماً ، بل هو أخذ بالرخصة في الانتصار لمن ظُلم ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :"فانتصر منه أبو بكر بعد ظلمه له ثلاث مرات ، وأخذ بحقه ، وجاوبه بمثل ما قال ، ولم يجاوز مثل ما قال له ، فالمنتصر مطيع لله بما أباحه له ، وقد ذكر الله حد الانتصار فقال :" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " الشورى/40 .....

ثم قال :

" وأما هذا الحديث فمن وقع في عرضه إنسان فله حالتان : حالة جواز وإباحة ، وهو الانتصار ممن وقع فيه دون عدوان ، وحالة فضيلة وحصول ثواب على صبره ، فأبو بكر استعمل فضيلة الجواز بعد ثالثة ، فانتصر ، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد له حالة الفضيلة وحصول الثواب ". اهـ

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185) في سبب ردّ أبي بكر على الرجل  :" عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْعَوَامِّ ، وَتَرْكًا لِلْعَزِيمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَرْتَبَةِ الْخَوَاصِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى: 39] ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126]". اهـ

وأما قيام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فلأمرين :

الأول : أنه أراد من أبي بكر رضي الله عنه أن يأخذ بالكمال المناسب لمنزلته وفضله ، قال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185) :" وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ الِانْتِقَامِ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَنْ بَعْضِهِ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْكَمَالَ الْمُنَاسِبَ لِمَرْتَبَتِهِ مِنَ الصِّدِّيقِيَّةِ ؛ مَا اسْتَحْسَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)  ". اهـ

و قال الصنعاني في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (3/176) :" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أحبّ للصديق الصبر والمغفرة لقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) ". اهـ

الثاني : أنه مجلس حضر فيه الشيطان ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر مجلسا حضر فيه الشيطان ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :" فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر في مكان حضر فيه الشيطان ، بل ينتقل منه كما في قضية الوادي ، إذ قال : إن به شيطانا حضر لما فاتتهم الصلاة فارتحلوا عنه ". اهـ

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب