الحمد لله.
الوصية مشروعة مستحبة لمن عنده مال، في حدود الثلث إذا كانت لغير وارث. وتحرم الوصية للوارث.
قال في شرح منتهى الإرادات (2/ 456): " (وتحرم) الوصية (ممن يرثه ، غير زوج أو) غير (زوجة ، بزائد على الثلث لأجنبي، ولوارث بشيء) نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] سواء كانت في صحته أو مرضه.
أما تحريم الوصية لغير وارث بزائد على الثلث : فلقوله صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: (أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قال فالشطر؟ قال لا. قال: فالثلث. قال: الثلث والثلث كثير) الحديث : متفق عليه.
وأما تحريمها للوارث بشيء فلحديث : (إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه الخمسة إلا النسائي من حديث عمرو بن خارجة وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي .
(وتصح) هذه الوصية المحرمة (وتقف على إجازة الورثة) لحديث ابن عباس مرفوعا : (لا تجوز وصية لوارث ، إلا أن يشاء الورثة) . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : (لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة) رواهما الدارقطني.
ولأن المنع لحق الورثة. فإذا رضوا بإسقاطه نفذ" انتهى.
ويجوز أن يوصي الإنسان لمن يراه غير وارث- بحسب الظاهر وقت الوصية-، كأن يوصي للعصبة لاستغراق أصحاب الفروض التركة، أو يوصي لذوي الرحم ، لوجود العصبة .
فإن أصبح غيرُ الوارث وارثاً عند موته: بطلت الوصية ، إلا أن يجيزها بقية الورثة .
فالعبرة بكون فلان وارثا ، أو لا : هو عند موت الموصي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ( 4609 ) مسألة قال : ( ومن أوصي له ، وهو في الظاهر وارث ، فلم يمت الموصي ، حتى صار الموصى له غير وارث ، فالوصية له ثابتة ; لأن اعتبار الوصية بالموت ) ؛ لا نعلم خلافا بين أهل العلم ، في أن اعتبار الوصية بالموت ، فلو أوصى لثلاثة إخوة له متفرقين ، ولا ولد له ، ومات قبل أن يولد له ولد ، لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب، إلا بالإجازة من الورثة .
وإن ولد له ابن ، صحت الوصية لهم جميعا من غير إجازة ، إذا لم تتجاوز الوصية الثلث .
وإن ولدت له بنت ، جازت الوصية لأخيه من أبيه ، وأخيه من أمه ، فيكون لهما ثلثا الموصى به ، بينهما نصفين ، ولا يجوز للأخ من الأبوين ; لأنه وارث .
وبهذا يقول الشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم .
ولو أوصى لهم ، وله ابن ، فمات ابنه قبل موته ، لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ، ولا لأخيه من أمه ، وجازت لأخيه من أبيه .
فإن مات الأخ من الأبوين قبل موته ، لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا ; لأنه صار وارثا" انتهى.
وقال الباجي في المنتقى (6/ 179): " وإنما يراعى في ذلك أن يكون وارثا يوم الموت.
فلو أوصى لغير وارث، ثم كان وارثا : لبطلت الوصية.
ولو أوصى لوارث، ثم كان غير وارث : لصحت الوصية" انتهى.
وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب (3/ 34): " ( فرع ) : العبرة في كونه وارثا أو غير وارث بيوم الموت ؛ فلو ( أوصى لغير وارث ) كأخ مع وجود ابن ، ( فصار وارثا ) : بأن مات الابن قبل موت الموصي ، أو معه ( فوصية لوارث ) ؛ فتبطل ، إن لم يكن وارث غيره، وإلا فتوقف على الإجازة .
( أو عكسه ) ؛ بأن أوصى لوارث ، كأخ ، فصار غير وارث ، بأن حدث للموصي ابن ( : صحت ) ، فيما يخرج من الثلث ، والزائد عليه : يتوقف على إجازة الوارث" انتهى.
والحاصل :
أن من كان له ورثة من أصحاب الفروض ، تستغرق فروضهم التركة : فله أن يوصي للعصبة؛ لأنه غير وارث بحسب الظاهر .
ثم ينظر في حاله عند موت الموصي، فإن كان غير وارث : صحت الوصية .
وإن كان وارثا : بطلت ؛ إلا أن يجيزها بقية الورثة.
وينبغي أن يُعلم أن الوصية تخرج من التركة قبل الميراث ، فيأخذ العصبة وصيتهم ، ثم الباقي يوزع على الورثة حسب فروضهم .
والله أعلم.
تعليق