الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

التخصص في دراسة الديانة المصرية القديمة

284275

تاريخ النشر : 26-01-2020

المشاهدات : 3272

السؤال

ما هو حكم دراسة الديانة المصرية القديمة؟ فأنا أنوى استكمال دراساتى العليا فى هذا الموضوع.

الجواب

الحمد لله.

مثل هذه الدراسات هي من الأمور الدنيوية لا الدينية؛ فهذه الديانات مندثرة ويتم تناولها كمباحث تاريخية بحتة؛ وبناء على هذا فهي من الأمور العادية التي الأصل فيها الإباحة كسائر المباحث التاريخية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم: فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى ...

والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى من" مجموع الفتاوى " (29 / 16 – 18).

لكن حتى تبقى مثل هذه الدراسات في حدود الإباحة ولا تخرج إلى الكراهة أو التحريم؛ يجب أن تقيّد:

بالأمر الأول: وهو أن تكون ذات نفع مشروع؛ لكي لا يسرف المسلم وقته وعمره وجهده فيما لا نفع ولا طائل منه؛ فيدخل في الإسراف المنهي عنه.

الأمر الثاني: أن لا ترجع بضرر على الدين؛ فلا يعرض الدّارس نفسه للهلاك؛ قال الله تعالى:  وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ  البقرة/195.

فمن المعلوم أن أقواما هلكوا وأهلكوا غيرهم بإحياء مثل هذه المواضيع فدعوا إلى العصبية والقومية كالفرعونية، نسأل السلامة لنا ولكم ولجميع المسلمين.

ولكي يتقي الدارس مثل هذه المحاذير عليه:

أن يشتغل بدراسة دين الله تعالى وخاصة مسائل الاعتقاد؛ ليتقرر في نفسه مخالفة ذلك الضلال والظلام الذي كانت عليه هذه الديانات الوثنية، وأهلها ، لما عليه الإسلام وأهله، ويعلم أنه لا لقاء بينهما بوجه، وأنه لا حسنة في أديان هؤلاء ، ولا أحوالهم، ما داموا على هذا الدين الشركي .

ولا يشفع لهم في ضلالهم، ما كانوا عليه من العلوم والفنون التي فاقت أهل أزمانهم، بعد ما ضلوا ذلك الضلال المبين في عقائدهم، وعباداتهم الشركية.

قال الله تعالى :  وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ  الأحقاف/26-28 .

وقال تعالى:  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ  غافر/82-85 .

ولا معنى لما يفعله الجاهلون من تعظيم هؤلاء المشركين، لأجل أنهم كانوا يعيشون على تلك الرقعة الجغرافية التي يعيش عليها ، أو صارت فيها دولته؛ فإن هذا من السفه في العقل والضلال في الدين.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،  إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ  رواه أبو داود (5116)، وغيره، وحسنه الألباني.

فما لم يتقرر في نفسه الفرق بين الهدى والضلال، والإيمان والشرك، ويعلم أصول دينه واعتقاده، والفرق بينها وبين أديان المشركين، من حيث المبدأ والأصل، لم يجز له أن يدخل في دراسة أديان هؤلاء، معظما لهم، أو غافلا عما كانوا عليه من الشرك والضلال.

فإن أشكل عليه تفصيل أمر، أو لم يتبين له وجه الضلال فيه ، فليرجع إلى أهل العلم العارفين بذلك، المختصين به. وقد قال الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  النحل/43.

كما عليه أن يوجّه دراسته لتكون ذات نفع مشروع؛ وذلك بأن ينوي بدراسته خدمة الإسلام والمسلمين؛ بأن يزاحم أهل الضلال في هذا التخصص سواء تأليفا أو تدريسا، فيسعى للمساهمة من خلال المنصب التعليمي أو البحثي الذي يوصله إليه هذا التخصص في حفظ النشْء والشباب من الوقوع في براثن الدعوات الهدامة التي تتخذ من أحياء الماضي الجاهلي وسيلة لحرب الإسلام والمسلمين. وكلما درس شيئا من ذلك ، أو كتب فيه ، وجب عليه أن يبين ضلاله، وانحرافه عن الهدى المستقيم، ومجافاته لدين رب العالمين.

فإذا كان الدارس على هذا المنوال فيرجى أن يكون ممن اتصف بقوله تعالى:  إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ   هود/88.

وأما إذا غلب على ظن الدارس أنه لا يستطيع أن يستجلب نفعا يذكر في مثل هذا التخصص؛ فعليه في هذه الحالة أن يتقي الله تعالى فلا يسرف وقته في مالانفع فيه؛ وليختر تخصصا آخرا نافعا.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (217084) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب