السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

تفسير ظهور شبه ابتسام، أو حسن مظهر على وجوه بعض الموتى من أهل الكفر

285103

تاريخ النشر : 05-09-2018

المشاهدات : 7535

السؤال

هل يمكن أن تموت راهبةٌ مسيحيةٌ وهي مبتسمةٌ أيضا؟ مثل كما حصل ذلك لراهبة مسيحية ؟ ولماذا لا نستطيع أن نقول في أيّ حالٍ يكونون عليها عن طريق وجوههم من الناس من الديانات الأخرى ، مثل المسيحيين في جنازاتهم ؛ لأنهم يبدون وكأنّهم لا يعاقبون بينما هم موتى في جنازاتهم ؟ أيضاً هل يجوز فتح القبر لرؤية الجسد لنستنتج إذا كان يعاقب في القبر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

مثل هذه الأمور المشار إليها ، ليست دليلا على صلاح الشخص، وإنما يستأنس بها إذا كان صاحبها متمسكا بطاعة الله ورسوله ، ثابتا عليها، فهذا الذي تكون له البشرى في الحياة الدنيا.

قال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   يونس/62 - 64.

وبهذا الميزان : ردّ أهل العلم الخوارق والعجائب التي تظهر على من اشتهر بمخالفة الشرع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" فهؤلاء المبتدعون المخالفون للكتاب والسنة : أحوالهم ليست من كرامات الصالحين؛ فإن كرامات الصالحين إنما تكون لأولياء الله المتقين؛ الذين قال الله فيهم: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) وهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض التي فرضها عليهم، ثم بالنوافل التي ندبهم إليها...

ولهذا قال أهل العلم والدين - كأبي يزيد البسطامي وغيره -: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ، أو يمشي على الماء ، فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي. وقال الشافعي: لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء، فلا تغتروا به.

فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله، وسنة رسوله، كما قال تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 / 665 - 666).

وحاصل ذلك : أن بعض العجائب، ربما قد تظهر على من هو ضال عن طريق الحق، ويكون ظهورها عليه إما امتحانا من الله تعالى، وإما تلبيسا من الشيطان.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى :

" فإن قلت: فعلى هذا : ما الفرق بين الكرامة ، وبين الاستدراج والأحوال الشيطانية؟

قيل: إذا كان الشخص مخالفًا للشرع، فما يجري له من هذه الأمور ليس بكرامة، بل هي إما استدراج ، وإما من عمل الشياطين، ويكون سببها هو ارتكاب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .

فإن المعاصي لا تكون سببا لكرامة الله، ولا يستعان بالكرامات عليها، فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء ، بل تحصل بما تحبه الشياطين ، كالاستغاثة بغير الله، أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش = فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية، وكلما كان الإنسان أبعد عن الكتاب والسنة ، كانت الخوارق الشيطانية له أقوى وأكثر من غيره، فإن الجن الذين يقترنون بالإنس: من جنسهم؛ ...

بخلاف الكرامة، فإنها لا تحصل إلا بعبادة الله والتقرب إليه ودعائه وحده لا شريك له، والتمسك بكتابه، واجتناب المحرمات، فما يجري من هذا الضرب فهو كرامة.

وقد اتفق على هذا الفرق جميع العلماء " انتهى من "تيسير العزيز الحميد" (ص 338 - 339).

ومن الامتحان والابتلاء أن الله أعطى لبعض من عصاه وسامة وجمالا، وأمرنا سبحانه ألا ننظر إلى ذلك، وإنما ننظر إلى حقيقة قلوبهم وما تتصف به نفوسهم، كما في وصفه تعالى لحال المنافقين؛ حيث قال سبحانه وتعالى:

 وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ   المنافقون (4).

عن زَيْد بْن أَرْقَمَ: ( وَقَوْلُهُ: (خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ ) رواه البخاري (4903) ، ومسلم (2772).

وهذا كله على فرض أن هذه العلامات التي أشرت إليها في السؤال قد ظهرت على موتاهم من غير سبب ممن حولهم؛ وإلا فالواقع المشهور عن أهل الكفر في هذا الزمن، هو أنهم يعرِّضون موتاهم للتجميل والتحسين والتعطير ، ويلبسونهم أحسن ما يملكون من لباس قبل دفنهم، فهذه عادتهم في هذا العصر، ويصرفون عليها الأموال الكثيرة، ولذا يظهرون بصورة حسنة حال موتهم قبل دفنهم.

وللفائدة طالعي جواب السؤال رقم : (184737).

ثانيا:

عذاب القبر جعله الله من علم الغيب الذي لا يدركه أهل الدنيا بحواسهم المعهودة؛ وذلك لحكمتين:

الحكمة الأولى: أن الله لو جعل للبشر قدرة على معرفة حال البرزخ  الآن ، لآمن جميع الناس ولم يتميز المؤمن حقيقة من الكافر، ولذا ميّز الله المؤمن من الكافر بالتصديق بالغيب ومن ضمنه أحوال ما بعد الموت.

قال الله تعالى:  الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  البقرة /1 - 3.

وقال الله تعالى:   جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا   مريم/61 .

ولذا يتوقف التكليف إذا عاين الإنسان ملك الموت، فلا يقبل منه إيمان ولا توبة عند ذلك.

قال الله تعالى:   وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا  النساء/18.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا، وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة، ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون:   حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ   الآية. وقال تعالى:   فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ    " انتهى من "تفسير السعدي" ( ص 172).

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ  رواه الترمذي (3537) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".

الحكمة الثانية: أن الله أخفى حال الموتى في البرزخ حتى تستقيم حياة الناس، فلو أعطى الله للناس في الدنيا القدرة على الشعور بعذاب البرزخ، لما استطاعوا أن يدفنوا موتاهم.

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:   لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ   رواه مسلم (2868).

فالحاصل؛ أن الأصل هو أنه لا يمكن لمن هو في الدنيا رؤية آثار عذاب القبر على الموتى ، ولا يحصل ذلك التمييز بين أحوال الناس في قبورهم ، بفتح هذه القبور ؛ مع ما في ذلك من انتهاك حرمة أهلها ، وهو ممنوع محرم .

ولمزيد الفائدة طالعي جواب السؤال رقم : (34648).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب