الحمد لله.
أولًا :
لا ريب أن جريمة الزنا مع المحارم من أشنع الزنا وأشدّه قبحا؛ وهو غاية في شذوذ الخلق وفساد الفطر.
ولذلك كانت عقوبة من فعل ذلك القتل ، سواء كان محصنا أم بكرا ، كما دلت على ذلك السنة ، وينظر جواب السؤال رقم : (12707) .
ثانيا :
أما حكم الولد الناتج عن هذه العلاقة المحرمة ، فله حالتان:
الحالة الأولى:
أن تكون المرأة المزني بها ذات زوج ، فالولد ينسب لزوجها، إلا إذا نفاه الزوج عنه باللعان .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ!
قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ.
فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ ، فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ أَخِي ، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ .
ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ - زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْتَجِبِي مِنْهُ يا سَودةُ ؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ " .
رواه البخاري (2053) ، ومسلم (1457).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش ) : فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة ، أو مملوكة صارت فراشا له ، فأتت بولد لمدة الإمكان منه : لحقه الولد ، وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة ، سواء كان موافقا له في الشبه ، أم مخالفا .
ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (10 / 37).
وقال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:
" وهو أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول وأصحها .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) : وهو ما تلقته الأمة بالقبول ...
فكانت دعوى سعد ، سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا، وأن الولد للفراش على كل حال.
والفراش النكاح ، أو ملك اليمين لا غير...
قال أبو عمر: أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يُلحق بأحد ولد يستلحقه ، إلا من نكاح أو ملك يمين، فإذا كان نكاح أو ملك، فالولد لاحق بصاحب الفراش على كل حال.
والفراش في الحرة : عقد النكاح عليها ، مع إمكان الوطء عند الأكثر...
فلا ينتفى ولد الحرة ، اذا جاءت به لستة أشهر من يوم عقد النكاح ، إلا بلعان، وهذه الجملة كلها من حكم الله ورسوله مما نقلته الكافة، ولم يختلفوا فيه إلا فيما وصفت " انتهى من"الإستذكار" (22 / 166 - 169).
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (101771).
الحالة الثانية:
أن تكون المرأة المزني بها، ليست ذات زوج، فالذي عليه جماهير أهل العلم ، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم: أن الولد لا ينسب إلى الزاني بحال ، وإنما ينسب لأمه فقط ، ويجري بينها وبينه التوارث .
قال ابن رشد رحمه الله تعالى:
" واتفق الجمهور على أن أولاد الزنا لا يلحقون بآبائهم ، إلا في الجاهلية ، على ما روي عن عمر بن الخطاب على اختلاف في ذلك بين الصحابة، وشذ قوم فقالوا: يلتحق ولد الزنا في الإسلام -أعني: الذي كان عن زنا في الإسلام- " انتهى من "بداية المجتهد" (4 / 217).
واستدلوا بمفهوم الحديث السابق: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ ).
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ) قد اقتضى معنيين؛ أحدهما: إثبات النسب لصاحب الفراش. والثاني: أن من لا فراش له فلا نسب له ، لأن قوله: (الوَلَدُ ) اسم للجنس، وكذلك قوله: ( لِلْفِرَاشِ ) للجنس لدخول الألف واللام عليه، فلم يبق ولد إلا وهو مراد بهذا الخبر؛ فكأنه قال: لا ولد إلا للفراش " انتهى من "أحكام القرآن" (5 / 160).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وأما الولد الذي يحصل من الزنا يكون ولداً لأمه وليس ولداً لأبيه ، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ )، العاهر: الزاني، يعني ليس له ولد ، هذا معنى الحديث، ولو تزوجها بعد التوبة ، فإن الولد المخلوق من الماء الأول لا يكون ولداً له ، ولا يرث من هذا الذي حصل منه الزنا، ولو ادعى أنه ابنه ، ليس ولداً شرعياً " انتهى من "فتاوى إسلامية الشيخ" (3 / 370).
ونقل عن الحسن وابن سيرين وعروة والنخعي وإسحاق وسليمان بن يسار ، أنه ينسب إليه .
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (33591) ، وينظر أيضا : جواب السؤال رقم : (192131) .
والله أعلم.
تعليق