الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

مقولة؛ طوفوا على الفقراء فستجدون الله عندهم

293845

تاريخ النشر : 06-08-2018

المشاهدات : 31919

السؤال

ما حكم المقولة التالية ، فقد كثر نشرها ، وكثر تداولها : " إلى مَن يتباهون بكثرة الحَج ، والعُمرة ، والطَواف بالكعبة طوفوا حول الفقراء ، فحتمًا ستجدون الله عند كُلّ فقير" ؟

الجواب

الحمد لله.

هذه المقولة جمعت حقا وباطلا.

فأمّا الحق؛ ففي قوله " طوفوا حول الفقراء فحتما ستجدون الله عند كل فقير" : فغالب الظن أن صاحب المقالة يقصد أن رضا الله ومحبته متحققة بمواساة الفقراء وسدّ حاجاتهم ومواساتهم .ولا شك أن التصدق على المحتاجين من الأعمال المقربة إلى الله تعالى والتي ينال بها رضاه؛ كما يصور ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ! اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي.

قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ! اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي.

قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي

   رواه مسلم (2569).

وحاصل الكلام في هذا المقام : أن الحديث يرشد إلى قرب الله عز وجل من عباده هؤلاء ، في حالهم تلك ، ومحبته لما ندب إليه عباده من هذه الأفعال والطاعات ، من العيادة والصدقة والإطعام ، وأنها لا تضيع عند الله ، بل هي حاضرة محفوظة لديه .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" .. المحب يتفق هو ومحبوبه ، بحيث يرضى أحدهما بما يرضاه الآخر ، ويأمر بما يأمر به ، ويبغض ما يبغضه ، ويكره ما يكرهه ، وينهى عما ينهى عنه... " . انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/462).

ويقول أيضا:

"والمقصود هنا : أن قوله : ( لو عدته ، لوجدتني عنده ) ، وقوله : ( أين أجدك ؟ قال : عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ، أقرب إليها كل يوم شبرًا ، ولولا ذلك لاحترقت ) = ليس ظاهره أن ذات الله تكون موجودة في المكان الذي يكون ذلك فيه .

بل : يكون الله موجودًا عنده ؛ أي : في نفسه ..

فقوله : (وجدتني عنده) ؛ كقوله وجدتني في قلبه ، ووجدتني في نفسه ، ووجدتني حاضرًا في قلبه ، ووجدتني ثابتًا في قلبه ، ونحو ذلك من العبارات ..." .

انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (6/265-266) .

وأما المعنى الباطل؛ فإن هذه المقالة صيغت على وجه يوبّخ من يتزود من الأعمال الفاضلة التي رغّب الشرع في تكرارها من عمرة وحج.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ  رواه البخاري (1773) ، ومسلم (1349).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ  .

رواه الترمذي (810) وقال: " حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " انتهى، وحسن إسناده الألباني في "السلسة الصحيحة" (3 / 197).

كما أننا نعلم جميعا من الواقع المعيش أن حاجة المحتاجين لم يتأخر سدّها بسبب تكرار الصالحين للحج والعمرة؛ فهؤلاء المكررون تعدادهم ليس بالكبير في أمة الإسلام؛ لكن حاجة المحتاجين لم تقض بسبب الإسراف الحاصل من عشرات الملايين من المسلمين؛ فكم من مليون سائح من المسلمين يكرر سياحته كل عام داخل بلاده وخارجها؟ وكم من مسرف لأمواله في الملاهي ؟ وكم من مسرف لأمواله على المتاع الزائد الذي يتجاوز الحاجة ويخرج إلى حدّ التبذير والإسراف؟

فالمراد : أنه قبل أن نأمر الناس بترك نوافل الطاعات لأجل توفير المال لمساعدة المحتاجين ، نحثهم أولا على قبض أيديهم عن إسراف الأموال على المحرمات والمكروهات ، والتوسع في المباحات.

وهذا لا يعارض أنّه ينبغي على المسلم أن يوازن بين الطاعات، فيقدم أكثرها مصلحة؛ لا سيما عند عموم الحاجة ، وقلة النفقات ، أو زيادة ضرورة الناس ؛ فإذا رأى المسلم محتاجين يُعرِض الناس عن التصدق عليهم ولا يواسونهم، فلا شك أن الأفضل في هذه الحال أن يتصدق عليهم بنفقة حج أو عمرة التطوع، كما نص على ذلك أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والحج على الوجه المشروع : أفضل من الصدقة التي ليست واجبة.

وأما إن كان له أقارب محاويج : فالصدقة عليهم أفضل .

وكذلك إن كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته .

فأما إذا كان كلاهما تطوعا : فالحج أفضل ؛ لأنه عبادة بدنية مالية .

وكذلك الأضحية والعقيقة : أفضل من الصدقة بقيمة ذلك .

لكن هذا بشرط أن يقيم الواجب في الطريق ، ويترك المحرمات ويصلي الصلوات الخمس، ويصدق الحديث ويؤدي الأمانة ولا يتعدى على أحد " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 382).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب